هو الأول السابق على سائر الموجودات من حيث إنه موجدها ومحدثها والآخر الباقي بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها أو هو الأول الذي تبتدئ منه الأسباب وتنتهي إليه المسببات أو الأول خارجا و الآخر ذهنا والظاهر والباطن الظاهر وجوده لكثرة دلائله والباطن حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول أو الغالب على كل شيء والعالم بباطنه والواو الأولى والأخيرة للجمع بين الوصفين والمتوسطة للجمع بين المجموعين وهو بكل شيء عليم يستوي عنده الظاهر والخفي .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{هو الأول} قبل كل شيء {و} هو {والآخر} بعد الخلق {و} هو {والظاهر} فوق كل شيء... {و} وهو {والباطن} دون كل شيء...
{هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}؛ قال ابن القاسم: قال مالك: لا يُحَد ولا يُشَبه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: هو الأوّل قبل كل شيء بغير حدّ،" والآخر "يقول: والآخر بعد كل شيء بغير نهاية. وإنما قيل ذلك كذلك، لأنه كان ولا شيء موجود سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها، كما قال جلّ ثناؤه: "كُلّ شَيْءٍ هالكٌ إلاّ وَجْهَهُ". وقوله: "والظّاهِرُ" يقول: وهو الظاهر عل كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه، "والباطِنُ" يقول: وهو الباطن جميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال: "وَنَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْل الوَرِيدِ"...
وقوله: "وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" يقول تعالى ذكره: وهو بكلّ شيء ذو علم، لا يخفى عليه شيء، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، إلا في كتاب مبين.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... {والظاهر} هو الغالب القاهر الذي لا يغلبه شيء، {والباطن} الذي لا تدركه الأوهام...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{الأول}: لاستحقاقه صفة القِدَم، و {الآخرِ} لاستحالة نعت العدَم. ويقال: {الأول} فلا افتتاحَ لوجوده و {الآخر} فلا انقطاعَ لثبوته. {الظاهر} فلا خفاءَ في جلال عِزِّه، {الباطن} فلا سبيل إلى إدراك حقِّه... {والظاهر} ليس يَخْفَى عليه شيءٌ من شأنهم، وليس يَدَعُ شيئاً من إحسانهم، {والباطن} يعلم ما ليس لهم به عِلْمٌ من خسرانهم ونقصانهم فيدفع عنهم فنونَ مَحَنهم وأحزانهم.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
(والظاهر والباطن) أي: الظاهر بالدلائل والآيات، والباطن لأنه لا يرى بالأبصار، ولا يدرك بالحواس.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
وقد شرحها رسول الله صلى الله عليه وسلم شرحا يغني عن قول كل قائل، فقال في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين واغننا من الفقر) عنى بالظاهر الغالب، وبالباطن العالم، والله أعلم.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وقال البخاري: قال يحيى: الظاهر على كل شيء علمًا والباطن على كل شيء علمًا...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
المعني بالظاهر في التفسير النبوي الغالب الذي يغلب ولا يغلب، فيتصرف في المكونات على سبيل الغلبة والاستيلاء إذ ليس فوقه أحد يمنعه، وبالباطن من لا ملجأ ولا منجى دونه يلتجئ إليه ملتجئ، وبحث فيه بجواز أن يكون المراد أنت الظاهر فليس فوقك شيء في الظهور أي أنت أظهر من كل شيء إذ ظهور كل شيء بك وأنت الباطن فليس دونك في البطون شيء أي أنت أبطن من كل شيء إذ كل شيء يعلم حقيقته غيره وهو أنت وأنت لا يعلم حقيقتك غيرك، أو لأن كل شيء يمكن معرفة حقيقته وأنت لا يمكن أصلاً معرفة حقيقتك...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
الأول والآخر مستغرقا كل حقيقة الزمان، والظاهر والباطن مستغرقا كل حقيقة المكان. وهما مطلقتان...
(وهو بكل شيء عليم).. علم الحقيقة الكاملة. فحقيقة كل شيء مستمدة من الحقيقة الإلهية وصادرة عنها. فهي مستغرقة إذن بعلم الله اللدني بها. العلم الذي لا يشاركه أحد في نوعه وصفته وطريقته. مهما علم المخلوقون عن ظواهر الأشياء...ولقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقة الأساسية الكبرى، وهاموا بها وفيها، وسلكوا إليها مسالك شتى، بعضهم قال إنه يرى الله في كل شيء في الوجود. وبعضهم قال: إنه رأى الله من وراء كل شيء في الوجود. وبعضهم قال: إنه رأى الله فلم ير شيئا غيره في الوجود.. وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة إذا تجاوزنا عن ظاهر الألفاظ القاصرة في هذا المجال. إلا أن ما يؤخذ عليهم -على وجه الإجمال- هو أنهم أهملوا الحياة بهذا التصور. والإسلام في توازنه المطلق يريد من القلب البشري أن يدرك هذه الحقيقة ويعيش بها ولها، بينما هو يقوم بالخلافة في الأرض بكل مقتضيات الخلافة من احتفال وعناية وجهاد وجهد لتحقيق منهج الله في الأرض، باعتبار هذا كله ثمرة لتصور تلك الحقيقة تصورا متزنا، متناسقا مع فطرة الإنسان وفطرة الكون كما خلقهما الله.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف في سياق تبْيين أن له ملك السماوات والأرض، بأن مُلكه دائم في عموم الأزمان وتصرف فيهما في كل الأحوال، إذ هو الأول الأزلي، وأنه مستمر من قبل وجود كل محدث ومن بعد فنائه، إذ الله هو الباقي بعد فناء ما في السماوات والأرض، وذلك يظهر من دلالة الآثار على المؤثِر، فإن دلائل تصرفه ظاهرة للمتبصر بالعقل وهو معنى {الظاهر} كما يأتي، وأن كيفيات تصرفاته محجوبة عن الحس وذلك معنى {الباطن} تعالى كما سيأتي.
فضمير {هو} ليس ضمير فصل ولكنه ضمير يعبر عن اسم الجلالة لاعتبارنا الجملة مستأنفة، ولو جعلته ضمير فصل لكانت أوصاف {الأول والأخر والظاهر والباطن} أخباراً عن ضمير {هو العزيز الحكيم} [الحديد: 1].
وقد اشتملت هذه الجملة على أربعة أَخبار هي صفات لله تعالى.
فأما وصف {الأول} فأصل معناه الذي حصُل قبل غيره في حالة تُبينُها إضافة هذا الوصف إلى ما يدل على الحالة من زمان أو مكان، فقد يقع مع وصف (أول) لفظُ يدل على الحالة التي كان فيها السبق، وقد يستدل على تلك الحالة من سياق الكلام، فوصف {الأول} لا يتبين معناه إلا بما يتصل به من الكلام ولا يتصور إلا بالنسبة إلى موصوف آخر هو متأخر عن الموصوف ب (أول) في حالة مَّا... وقوله تعالى: {قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم} [الأنعام: 14] أي أولهم في اتباع الإِسلام، وقوله: {ولا تكونوا أول كافر به} [البقرة: 41]، أي أولهم كُفراً وقوله: {وقالت أولاهم لأخراهم} [الأعراف: 39]، أي أُولاهم في الدخول إلى النار.
وأشهر معاني الأوَّلية هو السبق في الوجود، أي في ضد العدم، ألا ترى أن جميع الأحوال التي يسبق صاحبُها غيره فيها هي وجودات من الكيفيات، فوصف الله بأنه {الأول} معناه: أنه السابق وُجوده على كل موجود وُجد أو سيوجد، دون تخصيص جنس ولا نوع ولا صنف، ولكنه وصف نسبي غير ذاتي.
ولهذا لم يذكر لهذا الوصف هنا متعلِّق بكسر اللام، ولا ما يدل على متعلِّق لأن المقصود أنه الأول بدون تقييد.
ويرادف هذا الوصفَ في اصطلاح المتكلمين صفةُ القدم.
واعلم أن هذا الوصف يستلزم صفة الغِنَى المطلق، وهي عدم الاحتياج إلى المخصِّص، أي مخصص يخصصه بالوجود بدلاً عن العدم، لأن الأول هنا معناه الموجود لِذاته دون سبق عدم، وعدم الاحتياج إلى محل يقوم به قيام العرض بالجوهر.
ويستلزم ذلك انفراده تعالى بصفة الوجود لأنه لو كان غيرُ الله واجباً وجودُه لما كان الله موصوفاً بالأولية، فالموجودات غير الله ممكنة، والممكن لا يتصف بالأولية المطلقة، فلذلك تثبت له الوحدانية، ثم هذه الأولية في الوجود تقتضي أن تثبت لله جميع صفات الكمال اقتضاء عقلياً بطريق الالتزام البينّ بالمعنى الأعمّ وهو الذي يلزم من تصور ملزومه وتصوُّره الجزم بالملازمة بينهما.
وأما وصف {الآخر} فهو ضد الأول، فأصله: هو المسبوق بموصوف بصفة متحدث عنها في الكلام أو مشار إليها فيه بما يذكر من متعلق به، أو تمييزه، على نحو ما تقدم في قوله: {هو الأول} كقوله تعالى: {حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم} [الأعراف: 38] أي أخراهم في الإدِّرَاك في النار، وقول النبي صلى الله عليه وسلم "آخر أهل الجنة دخولاً الجنة... " الخ، وقول الحريري في المقامة الثانية « وجلس في أُخريات الناس»، أي الجماعات الأخريات في الجلوس، وهو وصف نسبيّ.
ووصف الله تعالى بأنه {الآخر} بعد وصفه بأنه {الأول} مع كون الوصفين متضادّين يقتضي انفكاك جهتي الأولية والآخرية، فلما تقرر أن كونه الأول متعلق بوجود الموجودات اقتضى أن يكون وصفه ب {الآخر} متعلقاً بانتقاض ذلك الوجود، أي هو الآخر بعد جميع موجودات السماء والأرض، وهو معنى قوله تعالى: {نرث الأرض ومن عليها} [مريم: 40] وقوله: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88].
فتقدير المعنى: والآخِر في ذلك أي في استمرار الوجود الذي تقرر بوصفه بأنه الأول. وليس في هذا إشعار بأنه زائل ينتابه العدم، إذ لا يشعر وصف الآخِر بالزوال لا مطابقة ولا التزاماً، وهذا هو صفة البقاء في اصطلاح المتكلمين. فآل معنى {الآخر} إلى معنى « الباقي»، وإنما أوثر وصف {الآخر} بالذكر لأنه مقتضى البلاغة ليتم الطباق بين الوصفين المتضادين، وقد عُلم عند المتكلمين أن البقاء غير مختص بالله تعالى وأنه لا ينافي الحُدوث على خلاف في تعيين الحوادث الباقية، بخلاف وصف القدم فإنه مختص بالله تعالى ومتنافٍ مع الحدوث.
واعلم أن في قوله: {هو الأول والأخر} دلالة قصر من طريق تعريف جزأي الجملة...
و {الظاهر} الأرجح أنه مشتق من الظُّهور الذي هو ضد الخفاء فيكون وصفه تعالى به مجازاً عقلياً، فإن إسناد الظهور في الحقيقة هو ظهور أدلة صفاته الذاتية لأهل النظر والاستدلال والتدبر في آيات العالم فيكون الوصف جامعاً لصفته النفسية، وهي الوجود، إذ أدلة وجوده بيّنة واضحة ولصفاته الأخرى مما دل عليها فعله من قدرة وعلم وحياة وإرادة، وصفات الأفعال من الخلق والرزق والإِحياء والإِماتة كما علمت في قوله: {هو الأول} عن النقص أو ما دل عليها تنزيهه عن النقص كصفة الوحدانية والقدم والبقاء والغنى المطلق ومخالفة الحوادث، وهذا المعنى هو الذي يناسبه المقابلة بالباطن.
ويجوز أن يكون مشتقاً من الظهور، أي الغلبة كالذي في قوله تعالى: {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم} [الكهف: 20]، فمعنى وصفه تعالى ب {الظاهر} أنه الغالب.
وهذا لا يناسب مقابلته ب {الباطن} إلا على اعتبار محسِّن الإِيهام، وما وقع في حديث أبي هريرة في « صحيح مسلم» من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأنت الظاهر فليس فوقك شيء " فمعنى فاء التفريع فيه أن ظهوره تعالى سبب في انتفاء أن يكون شيء فوق الله في الظهور، أي في دلالة الأدلة على وجوده واتصافه بصفات الكمال، فدلالة الفاء تفريع لا تفسير.
و {الباطن} الخفي يقال: بطن، إذا خفي ومصدره بُطُون.
ومعنى وصفه تعالى بباطن وصف ذاته وكنهه لأنه محجوب عن إدراك الحواس الظاهرة قال تعالى: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103].
والقصر في قوله: {والظاهر والباطن} قصر ادعائي لأن ظهور الله تعالى بالمعنيين ظهور لا يدانيه ظهور غيره، وبطونه تعالى لا يشبهه بطون الأشياء الخفية إذ لا مطمع لأحد في إدراك ذاته ولا في معرفة تفاصيل تصرفاته.
والجمع بين وصفه ب {الظاهر} بالمعنى الراجح و {الباطن} كالجمع بين وصفه ب {الأول والآخر} كما علمته آنفاً. وفي الجمع بينهما محسن المطابقة.
وفائدة إجراء الوصفين المتضادين على اسم الله تعالى هنا التنبيه على عظم شأن الله تعالى ليتدبر العالمون في مواقعها.
واعلم أن الواوات الثلاثة الواقعة بين هذه الصفات الأربع متحدة المعنى تقتضي كل واحدة منها عطف صفة...