{ 23-24 } { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }
لما نهى تعالى عن الشرك به أمر بالتوحيد فقال : { وَقَضَى رَبُّكَ } قضاء دينيا وأمر أمرا شرعيا { أَنْ لَا تَعْبُدُوا } أحدا من أهل الأرض والسماوات الأحياء والأموات .
{ إِلَّا إِيَّاهُ } لأنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي له كل صفة كمال ، وله من تلك الصفة أعظمها على وجه لا يشبهه أحد من خلقه ، وهو المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة الدافع لجميع النقم الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور فهو المتفرد بذلك كله وغيره ليس له من ذلك شيء .
ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } أي : أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي لأنهما سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر .
{ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا } أي : إذا وصلا إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف والإحسان ما هو معروف . { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } وهذا أدنى مراتب الأذى نبه به على ما سواه ، والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية .
{ وَلَا تَنْهَرْهُمَا } أي : تزجرهما وتتكلم لهما كلاما خشنا ، { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما ، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان .
{ وقضى ربك } أمر مقطوعا به . { ألا تعبدوا } بأن لا تعبدوا . { إلا إياه } لأن غاية التعظيم لا تحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الإنعام ، وهو كالتفصيل لسعي الآخرة . ويجوز أن تكون { أن } مفسرة و{ لا } ناهية . { وبالوالدين إحسانا } وبأن تحسنوا ، أو وأحسنوا بالوالدين إحسانا لأنهما السبب الظاهر للوجود والتعيش ، ولا يجوز أن تتعلق الباء بالإحسان لأن صلته لا تتقدم عليه . { إما يبلُغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما } { إما } هي إن الشرطية زيدت عليها ما تأكيدا ولذلك صح لحوق النون المؤكدة للفعل ، وأحدهما فاعل { يبلغن } ويدل على قراءة حمزة والكسائي من ألف " يبلغان " الراجع إلى " الوالدين " ، وكلاهما عطف على أحدهما فاعلا أو بدلا ولذلك لم يجز أن يكون تأكيدا للألف ، ومعنى { عندك } أن يكونا في كنفك وكفالتك . { فلا تقل لهما أفٍّ } فلا تتضجر مما يستقذر منهما وتستثقل من مؤنتهما ، وهو صوت يدل على تضجر . وقيل هو اسم الفعل الذي هو أتضجر ، وهو مبني على الكسر لالتقاء الساكنين وتنوينه في قراءة نافع وحفص للتنكير . وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالفتح على التخفيف . وقرئ به منونا وبالضم للاتباع كمنذ منونا وغير منون ، والنهي عن ذلك يدل على المنع من سائر أنواع الإيذاء قياسا بطريق الأولى . وقيل عرفا كقولك : فلان لا يملك النقير والقطمير ، ولذلك منع رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة من قتل أبيه وهو في صف المشركين ، نهى عما يؤذيهما بعد الأمر بالإحسان بهما . { ولا تنهرهما } ولا تزجرهما عما لا يعجبك بإغلاظ . وقيل النهي والنهر والنهم أخوات . { وقل لهما } بدل التأفيف والنهر . { قولا كريما } جميلا لا شراسة فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.