بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا} (23)

قوله : { وقضى رَبُّكَ } يعني : أمر { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ } أي أمر ربك ألا تطيعوا أحداً إلا إياه ، يعني : إلا الله تعالى يعني : لا تطيعوا أحداً في المعصية وتطيعوا الله في الطاعة ، ويقال لا تحدوا إلا الله . وفي قراءة ابن مسعود وَوَصَّى رَبُّكَ ألا تطيعوا إلاَّ إيَّاهُ { وبالوالدين إحسانا } أي : أمر بالإِحسان إلى الوالدين بِراً بهما وعطفاً عليهما { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر } قرأ حمزة والكسائي «إِمَّا يَبْلَغَانِ » بلفظ التثنية لأنه سبق ذكر الوالدين . وقرأ الباقون «يَبْلُغَنَّ » بلفظ الوحدان . لأنه انصرف إلى قوله : { أَحَدُهُمَا } يعني : إن بلغ الكبر أحدهما { أَوْ كِلاَهُمَا } يعني : إن بلغ أحد الأبوين عندك الهرم أو كلا الأبوين { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ } أي : لا تقذرهما ولا تقل لهما قولاً رديئاً عند خروج الغائط منهما إذا احتاجا إلى معالجتهما عند ذلك . قال الفقيه : حدثنا أبو عبد الرحمن بن محمد قال : حدثنا فارس بن مردويه قال : حدثنا محمد بن الفضل قال : حدثنا أصرم عن عيسى بن عبد الله الأشعري عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

« لَوْ عَلِمَ الله شَيْئَاً مِنَ العَقُوقِ أَدْنَى مِنْ أُفٍ لحرمه فَلْيَعْمَلِ العَاقّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ وَلْيَعْمَلَ البَارّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلِ النَّار » . وقال مجاهد : إذا كبرا فلا تأف لهما لأنهما قد رأيا منك مثل ذلك . وقال القتبي : { ولا تقل أف } أُفٍ بكسر وفتح وبضم وهو ما غلظ من الكلام يعني : لا تستثقل شيئاً من أمورهما ولا تغلظ لهما القول . قرأ ابن كثير وابن عامر بنصب الفاء ، وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص { أُفٍّ } بكسر الفاء مع التنوين وقرأ الباقون أفِّ بكسر الفاء بغير تنوين ومعنى ذلك كله واحد . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } يعني : لا تغلظ عليهما بالقول { وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا } أي ليناً حسناً .