الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا} (23)

{ وَقَضَى } أمر { رَبُّكَ } .

قال ابن عبّاس وقتادة والحسن قال زكريا بن سلام : جاء رجل إلى الحسن وقال إنه طلق امرأته ثلاثاً ، فقال : إنك عصيت ربك وبانت منك امرأتك . فقال الرجل : قضى الله ذلك عليَّ .

قال الحسن وكان فصيحاً : ما قضى الله ، أي ما أمر الله وقرأ هذه الآية { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ } فقال الناس : تكلم الحسن في [ القدر ] .

وقال مجاهد وابن زيد : وأوصى ربك ، ودليل هذا التأويل قراءة علي وعبد الله وأُبيّ : ووصى ربك .

وروى أبو إسحاق [ الكوفي ] عن شريك بن مزاحم أنه قرأ : ووصى ربك وقال : إنهم [ أدغوا ] الواو بالصاد فصارت قافاً .

وقال الربيع بن أنس : [ وأوجب ] ربك إلاّ تعبدو إلاّ إياه .

{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي وأمر بالأبوين إحساناً بّراً بهما وعطفاً عليهما { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ } الكسائي بالالف ، وقرأ الباقون : يبلغن بغير الألف على الواحدة وعلى هذه القراءة قوله { أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا } كلام [ مستأنف ] كقوله ف

{ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } [ المائدة : 71 ] وقوله

{ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى } [ طه : 62 ] ثمّ ابتدأ فقال : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } فيه ثلاث لغات بفتح الفاء [ حيث قد رفع ] وهي قراءة أهل مكة والشام واختيار يعقوب وسهيل .

و( أُفّ ) بالكسر والتنوين وهي قراءة أهل المدينة وأيوب وحفص .

و( أُفّ ) مكسور غير منون وهي قراءة الباقين من القراء ، وكلها لغات معروفة معناها واحد .

قال ابن عبّاس : هي كلمة كراهة . مقاتل : الكلام الرديء الغليظ .

أبو عبيد : أصل الأف والتف الوسخ على الأصابع إذا فتلته وفرق الآخرون بينهما فقيل الأف ما يكون في المغابن من العرق والوسخ ، والتف ما يكون في الأصابع ، وقيل : الأف وسخ الأذن والتف وسخ [ الأظفار ] وقيل : الأف وسخ الظفر والتف ما رفعت يدك من الأرض من شيء حقير .

{ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } لاتزجرهما { وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } حسناً جميلاً .

وقال ابن المسيب : كقول العبد المذنب للسيد الفظ .

وقال عطاء : لا تسمهما ولا تكنّهما وقل لهما : يا أبتاه ويا أماه .

مجاهد في هذه الآية : إن بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويُحدثان فلا تتعذرهما .

ولا تقل لهما أف حين ترى الأذى وتميط عنهما الخراء والبول كما كانا يميطانه عنك صغيراً [ ولا توذهما ] [ وروى سعيد بن المسيب : أن [ العاق ] يموت ميتة سوء ، و " قال رجل لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن أبوي بلغا من الكبر أني أُوليهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : " لا فإنهما كانا يفعلان لك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل وأنت تريد موتهما " ] " .