لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{۞وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا} (23)

قوله سبحانه وتعالى : { وقضى ربك } أي وأمر ربك . قاله ابن عباس : وقيل معناه وأوجب ربك . وقيل : معناه الحكم والجزم . وقيل : ووصى ربك . وحكي عن الضحاك أنه قرأها ووصى ربك وقال : إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصار قافاً وهي قراءة علي وابن مسعود . قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير هذا القول بعيد جداً لأنه يفتح باب أن التحريف والتغيير قد تطرق إلى القرآن ولو جوزنا ذلك لارتفع الأمان على القرآن ، وذلك يخرجه عن كونه حجة ، ولا شك أنه طعن عظيم في الدين { ألاَّ تعبدوا إلا إياه } فيه وجوب عبادة الله ، والمنع من عبادة غيره وهذا هو الحق لأن العبادة عبارة عن الفعل المشتمل على نهاية التعظيم ، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن له الإنعام والإفضال على عباده ولا منعم إلا الله ، فكان هو المستحق للعبادة لا غيره { وبالوالدين إحساناً } أي وأمر بالوالدين إحساناً أي براً بهما وعطفاً عليهما وإحساناً إليهما { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما } معناه أنهما يبلغان إلى حالة الضعف ، والعجز فيصيران عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أول العمر واعلم أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر هذه الجملة ، كلف الإنسان في حق الوالدين خمسة أشياء : الأول قوله تعالى { فلا تقل لهما أف } وهي كلمة تضجَّر وكراهية ، وقيل : إن أصل هذه الكلمة أنه إذا سقط عليك تراب أو رماد ، ونفخت فيه تزيله تقول : أف ثم إنهم توسعوا بذكر هذه الكلمة إلى كل مكروه يصل إليهم . والثاني : قوله { ولا تنهرهما } أي تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك يقال : نهره وانتهره بمعنى .

فإن قلت : المنع من التأفيف أبلغ من المنع من الانتهار فما وجه الجمع قلت : المراد من قوله ولا تقل لهما أف المنع من إظهار الضجر بالقليل والكثير ، والمراد من قوله ولا تنهرهما ، المنع من إظهار المخالفة في القول على سبيل الرد عليها . الثالث : قوله { وقل لهما قولاً كريماً } أي حسناً جميلاً ليناً كما يقتضيه حسن الأدب معهما ، وقيل : هو يا أماه يا أبتاه وقيل : لا يكنيهما وقيل : هو أن يقول لهم كقول العبد الذليل المذنب للسيد الفظ الغليظ . الرابع : قوله عز وجل{ واخفض لهما جناح الذل } .