محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا} (23)

/ [ 23 ] { * وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما 23 } .

{ وقضى ربك } أي أمر أمرا مقطوعا به { ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } أي : وبأن تحسنوا بالوالدين إحسانا . قال القاشاني : قرن سبحانه وتعالى إحسان الوالدين بالتوحيد وتخصيصه بالعبادة ، لكونهما مناسبين للحضرة الربوبية ، لتربيتهما إياك عاجزا صغيرا ضعيفا لا قدرة لك ولا حراك بك . وهما أول مظهر ظهر فيه آثار صفات الله تعالى من الإيجاد والربوبية . والرحمة والرأفة بالنسبة إليك ، ومع ذلك فإنهما محتاجان إلى قضاء حقوقهما ، والله غني عن ذلك . فأهم الواجبات بعد التوحيد ، إذا ، إكرامهما والقيام بحقوقهما ما أمكن : { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } في هذا من المبالغة في إكرام الوالدين وبرهما ما لا يخفى . و { إما } هي ( إن ) الشرطية زيدت عليها ( ما ) تأكيدا لها . و { أحدهما } فاعل { يبلغن } و { كلاهما } عطف عليه . ومعنى { عندك } هو أن يكبرا ويعجزا ، وكانا كلا على ولدهما ، لا كافل لهما غيره ، فهما عنده في بيته وكنفه . وذلك أشق عليه وأشد احتمالا وصبرا . وربما تولى منهما ما كانا يتوليان منه ، في حالة الطفولة . فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطأة الخلق ولين الجانب والاحتمال . حتى لا يقول لهما ، إذا أضجره ما يستقذر منهما ، أو يستثقل من مؤنهما : { أف } فضلا عما يزيد عليه . أفاده الزمخشري .

/ وقوله : { ولا تنهرهما } أي تزجرهما عما لا يعجبك ، بغلظة { وقل لهما } بدل التأفيف والنهر { قولا كريما } أي حسنا كما يقتضيه حسن الأدب معهما .