تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ} (14)

ثم قال تعالى : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، و[ ذلك ] أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين ، أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم ، فإذا خلوا إلى شياطينهم - أي : رؤسائهم وكبرائهم في الشر - قالوا : إنا معكم في الحقيقة ، وإنما نحن مستهزءون بالمؤمنين بإظهارنا لهم ، أنا على طريقتهم ، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ} (14)

{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } بيان لمعاملتهم المؤمنين والكفار ، وما صدرت به القصة فمساقه لبيان مذهبهم وتمهيد نفاقهم فليس بتكرير . روي أن ابن أبي وأصحابه استقبلهم نفر من الصحابة ، فقال لقومه : انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم ، فأخذ بيد أبي بكر رضي الله عنه فقال : مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذ بيد عمر رضي الله عنه فقال : مرحبا بسيد بني عدي الفاروق القوي في دينه الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال : مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه سيد بني هاشم ، ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنزلت . واللقاء المصادفة يقال ؛ لقيته ولاقيته ، إذا صادفته واستقبلته ، ومنه ألقيته إذا طرحته فإنك بطرحه جعلته بحيث يلقى .

{ وإذا خلوا إلى شياطينهم } من خلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه . أو من خلال ذم أي عداك ومضى عنك ، ومنه القرون الخالية . أو من خلوت به إذا سخرت منه ، وعدي بإلى لتضمن معنى الإنهاء ، والمراد بشياطينهم الذين ماثلوا الشيطان في تمردهم ، وهم المظهرون كفرهم ، وإضافتهم إليهم للمشاركة في الكفر . أو كبار المنافقين والقائلون صغارهم . وجعل سيبويه نونه تارة أصلية على أنه من شطن إذا بعد فإنه بعيد عن الصلاح ، ويشهد له قولهم : تشيطن . وأخرى زائدة على أنه من شاط إذا بطل ، ومن أسمائه الباطل .

{ قالوا إنا معكم } أي في الدين والاعتقاد ، خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية ، والشياطين بالجملة الإسمية المؤكدة بإن لأنهم قصدوا بالأولى دعوى إحداث الإيمان ، وبالثانية تحقيق ثباتهم على ما كانوا عليه ، ولأنه لم يكن لهم باعث من عقيدة وصدق رغبة فيما خاطبوا به المؤمنين ، ولا توقع رواج ادعاء الكمال في الإيمان على المؤمنين من المهاجرين والأنصار بخلاف ما قالوه مع الكفار .

{ إنما نحن مستهزءون } تأكيد لما قبله ، لأن المستهزئ بالشيء المستخف به مصر على خلافه . أو بدل منه لأن من حقر الإسلام فقد عظم الكفر . أو استئناف فكأن الشياطين قالوا لهم لما ( قالوا إنا معكم ) إن صح ذلك فما بالكم توافقون المؤمنين وتدعون الإيمان فأجابوا بذلك . والاستهزاء السخرية والاستخفاف يقال : هزئت واستهزأت بمعنى كأجبت واستجبت ، وأصله الخفة من الهزء وهو القتل السريع يقال : هزأ فلان إذا مات على مكانه ، وناقته تهزأ به أي تسرع وتخف .