فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ} (14)

{ لَقُوا } أصله لقيوا ، نقلت الضمة إلى القاف ، وحذفت الياء ، لالتقاء الساكنين . ومعنى لقيته ولاقيته : استقبلته قريباً . وقرأ محمد بن السميفع اليماني ، وأبو حنيفة «لاقوا » ، وأصله لاقيوا تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا ، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين . وخلوت بفلان وإليه : إذا انفردت به . وإنما عدي بإلى ، وهو يتعدى بالباء فيقال : خلوت به لا خلوت إليه ؛ لتضمنه معنى ذهبوا وانصرفوا . والشياطين جمع شيطان على التكسير . وقد اختلف كلام سيبويه في نون الشيطان ، فجعلها في موضع من كتابه أصلية ، وفي آخر زائدة ، فعلى الأوّل هو من شطن ، أي بعد عن الحق ، وعلى الثاني من شطّ ، أي : بعد أو شاط : أي بطل ، وشاط ، أي احترق ، وأشاط : إذا هلك قال [ الشاعر ] :

وقد يَشِيطُ علىَ أرمَاحِنا البَطَلُ *** . . .

أي يهلك . وقال آخر :

وأبْيَضِ ذي تاجٍ أشَاطَت رِمَاحنُا *** لمَعْتَركٍ بين الفوَارِس أقتمَا

أي : أهلكت . وحكي سيبويه أن العرب تقول : تشيطن فلان : إذا فعل أفعال الشياطين . ولو كان من شاط لقالوا : تشيط ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :

أيما شاطن عصاه عكا *** ه ورماه في السجن والأغلال

وقوله : { إِنَّا مَعَكُمْ } معناه مصاحبوكم في دينكم ، وموافقوكم عليه . والهزؤ : السخرية واللعب . قال الراجز :

قد هَزِئَتْ مني أُم طيْسلَه *** قَالَت أرَاهُ مُعْدمَاً لا مَال لَهُ

قال في الكشاف : وأصل الباب الخفة ، من الهزء ، وهو القتل السريع ، وهزأ يهزأ : مات على المكان . عن بعض العرب : مشيت فلغبت فظننت لأهزأنّ على مكاني . وناقته تهزأ به ، أي تسرع وتخفّ . انتهى . وقيل أصله : الانتقام . قال الشاعر :

قد استهزءوا منهم بألفي مدجج *** سراتهم وسط الصحاصح جثم

فأفاد قولهم { إِنَّا مَعَكُمْ } أنهم ثابتون على الكفر ، وأفاد قولهم { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ } ردّهم للإسلام ورفعهم للحق ، وكأنه جواب سؤال مقدّر ناشئ من قولهم : { إنا معكم } أي : إذا كنتم معنا فما بالكم إذا لقيتم المسلمين وافقتموهم ؟ فقالوا : إنما نحن مستهزءون بهم في تلك الموافقة ، ولم تكن بواطننا موافقة لهم ولا مائلة إليهم .

/خ15