قوله تعالى { وإذا لقوا الذين آمنوا قاوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون } هذا هو النوع الرابع من أفعالهم القبيحة ، يقال : لقيته ولاقيته إذا استقبلته قريبا منه ، وقرأ أبو حنيفة ( وإذا لاقوا ) أما قوله { قالوا آمنا } فالمراد أخلصنا بالقلب ، والدليل عليه وجهان . الأول : أن الإقرار باللسان كان معلوما منهم فما كانوا يحتاجون إلى بيانه ، إنما المشكوك فيه هو الإخلاص بالقلب ، فيجب أن يكون مرادهم من هذا الكلام ذلك . الثاني : أن قولهم للمؤمنين «آمنا » يجب أن يحمل على نقيض ما كانوا يظهرونه لشياطينهم ، وإذا كانوا يظهرون لهم التكذيب بالقلب فيجب أن يكون مرادهم فيما ذكروه للمؤمنين التصديق بالقلب ، أما قوله { وإذا خلوا إلى شياطينهم } فقال صاحب الكشاف : يقال خلوت بفلان وإليه ، وإذا انفردت معه ويجوز أن يكون من «خلا » بمعنى مضى ، ومنه القرون الخالية ، ومن «خلوت به » إذا سخرت منه ، من قولك : «خلا فلان بعرض فلان » أي يعبث به ، ومعناه أنهم أنهوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم وحدثوهم بها كما تقول : أحمد إليك فلانا وأذمه إليك . وأما شياطينهم فهم الذين ماثلوا الشياطين في تمردهم ، أما قوله { إنا معكم } ففيه سؤالان . السؤال الأول : هذا القائل أهم كل المنافقين أو بعضهم الجواب : في هذا خلاف ، لأن من يحمل الشياطين على كبار المنافقين يحمل هذا القول على أنه من صغارهم وكانوا يقولون للمؤمنين آمنا وإذا عادوا إلى أكابرهم قالوا إنا معكم ؛ لئلا يتوهموا فيهم المباينة ، ومن يقول في الشياطين : المراد بهم الكفار لم يمنع إضافة هذا القول إلى كل المنافقين ، ولا شبهة في أن المراد بشياطينهم أكابرهم ، وهم إما الكفار وإما أكابر المنافقين ، لأنهم هم الذين يقدرون على الإفساد في الأرض ، وأما أصاغرهم فلا . السؤال الثاني : لم كانت مخاطبتهم المؤمنين بالجملة الفعلية ، وشياطينهم بالجملة الإسمية محققة «بأن » الجواب : ليس ما خاطبوا به المؤمنين جديرا بأقوى الكلامين ، لأنهم كانوا في ادعاء حدوث الإيمان منهم لا في ادعاء أنهم في الدرجة الكاملة منه ، إما لأن أنفسهم لا تساعدهم على المبالغة لأن القول الصادر عن النفاق والكراهة قلما يحصل معه المبالغة ؛ وإما لعلمهم بأن ادعاء الكمال في الإيمان لا يروج على المسلمين ، وأما كلامهم مع إخوانهم فهم كانوا يقولونه عن الاعتقاد وعلموا أن المستمعين يقبلون ذلك منهم ، فلا جرم كان التأكيد لائقا به . أما قوله { إنما نحن مستهزئون } ففيه سؤالان -السؤال الأول : ما الاستهزاء ؟ الجواب : أصل الباب الخفة من الهزء وهو العدو السريع ، وهزأ يهزأ مات على مكانه ، وناقته تهزأ به أي تسرع ، وحده أنه عبارة عن إظهار موافقة مع إبطان ما يجري مجرى السوء على طريق السخرية ، فعلى هذا قولهم { إنما نحن مستهزئون } يعني نظهر لهم الموافقة على دينهم لنأمن شرهم ونقف على أسرارهم ، ونأخذ من صدقاتهم وغنائمهم . السؤال الثاني : كيف تعلق قوله { إنما نحن مستهزئون } بقوله { إنا معكم } الجواب : هو توكيد له ؛ لأن قوله { إنا معكم } معناه الثبات على الكفر وقوله { إنما نحن مستهزئون } رد للإسلام ، ورد نقيض الشيء تأكيد لثباته ، أو بدل منه ، لأن من حقر الإسلام فقد عظم الكفر ، أو استئناف ، كأنهم اعترضوا عليه حين قالوا : إنا معكم ، فقالوا إن صح ذلك فكيف توافقون أهل الإسلام ؟ فقالوا : إنما نحن مستهزئون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.