الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ} (14)

{ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ } .

قال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال : كان عبد الله بن أُبيّ بن سلول الخزرجي عظيم المنافقين من رهط سعد بن عبادة ، وكان إذا لقى سعداً قال : نعم الدينُ دين محمد ، وكان إذا رجع إلى رؤساء قومه . قالوا : هل نكفر ؟ قال : سدّوا أيديكم بدين آبائكم . فأنزل الله هذه الآية .

وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أُبيّ محتجاً به ، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : عبد الله بن أُبيّ لأصحابه : أنظروا كيف أدرأ هؤلاء السُّفهاء عنكم . فذهب وأخذ بيد أبي بكر فقال : مرحباً بالصّدّيق سيّد بني تيم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ، والباذل نفسه وماله له . ثمَّ أخذ بيد عمر فقال : مرحباً بسيّد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله ، ثمَّ أخذ بيد علي فقال : مرحباً بابن عم رسول الله وختنه سيّد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي : كف لله واتق الله ولا تنافق ، فإنّ المنافقين شر خليقة الله ، فقال له عبد الله : مهلا أبا الحسن إليّ تقول هذا ، والله إنّ إيماننا كإيمانكم وتصدّيقنا كتصديقكم ثمَّ افترقوا ، فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلتُ ، فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت . فأثنوا عليه خيراً ، وقالوا : لانزال معك ما عشت ، فرجع المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك ، فأنزل الله { وَإِذَا لَقُواْ } أي رأوا ، يعني المنافقين عبد الله بن أُبي وأصحابه ، كان ( لَقوا ) في الأصل ( لُقيوا ) فإستثقلت الضمة على الياء فبسطت على القاف وسكنت الواو والياء ساكنة فحذفت لإجتماعهما .

وقرأ محمد بن السميقع : وإذا لاقوا وهما بمعنى واحد . { الَّذِينَ آمَنُواْ } : يعني أبا بكر وأصحابه { قَالُوا آمَنَّا } كأيمانكم . { وَإِذَا خَلَوْا } رجعوا ، ويجوز أن تكون من الخلوة ، تقول : خلوتُ به وخلوتُ إليه ، وخلوتُ معهُ ، كلها بمعنى واحد .

وقال النضر بن شميل : { إِلَى } ها هنا بمعنى ( مع ) كقوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } [ البقرة : 187 ] : أي مع نسائكم ، وقوله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } [ النساء : 2 ] وقوله : { مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ } [ آل عمران : 52 ] النابغة :

ولا تتركنّي بالوعيد كأنني *** إلى الناس مِطليٌّ به القار أجربُ

أي مع الناس .

وقال آخر :ولوح ذراعين في بركة *** إلى جؤجؤرهل المنكب

أي مع جؤجؤ . { إِلَى شَيَاطِينِهِمْ } : أي رؤسائهم وكبرائهم وقادتهم وكهنتهم .

قال ابن عباس : هم خمسة نفر من اليهود ، ولا يكون كاهن إلاّ ومعه شيطان تابع له : كعب ابن الأشرف بالمدينة ، وأبو بردة في بني أسلم ، وعبد الله في جهينة ، وعوف بن عامر في بني أسد ، وعبد الله بن السَّوداء بالشام .

والشيطان : المتمرد العاصي من الجن والإنس ، ومن كل شيء ، ومنه قيل : للحيّة النضناض : الشيطان ، قال الله تعالى : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ } [ الصافات : 65 ] أي الحيات ، وتقول العرب : إتّق تلك الدابة فإنّها شيطان .

وفي الحديث : " إذا مرَّ الرجل بين يدي أحدكم وهو يمتطي فليمنعه فإن أبى فليقاتله فإنّه شيطان " .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنّه نظر الى رجل يتبع حماماً طائراً فقال : " شيطان يتبع شيطاناً " .

أراد الراعي الخبيث الداعي .

ويُحكى عن بعضهم إنه قال في تضاعيف كلامه : وكل ذلك حين ركبني شيطان قيل له : وأي الشياطين ركبك ؟ قال : الغضب .

وقال أبو النجم :

إنّي وكل شاعر من البشر *** شيطانه أنثى وشيطاني ذكر

{ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ } أي على دينكم وأنصاركم . { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } بمحمد وأصحابه .