الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ} (14)

قوله( {[896]} ) : ( وَإِذَا لَقُوا الذِينَ ءَامَنُوا )[ 13 ] الآية .

أصل " لَقُوا " : " لَقُيوا " ، فألقيت حركة الياء على القاف ، وحذفت الياء لسكونها وسكون الواو بعدها( {[897]} ) . [ وهذه( {[898]} ) ] صفة المنافقين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر .

قوله( {[899]} ) : ( وَإِذَا خَلَوِا( {[900]} ) اِلَى شَيَاطِينِهِمْ )[ 13 ] .

يعني أصحابهم ، وقيل( {[901]} ) : رؤساؤهم في الكفر قال الله : ( شَيَاطِينَ الاِنْسِ )( {[902]} ) فسمى أهل الفسق من( {[903]} ) الإنس شياطين .

وقيل : الشياطين هنا الكهان( {[904]} ) .

وقيل : هم الكفار والمنافقون إذا لقوهم قالوا : ( إِنَّا مَعَكُمُ ) أي على دينكم( {[905]} ) .

و " إلى " بمعنى " مع " ، كما قال : ( وَلاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمُ( {[906]} ) إِلَى أَمْوَالِكُمُ )( {[907]} ) ، أي مع أموالكم( {[908]} ) .

وقيل : إلى على( {[909]} ) بابها( {[910]} ) .

[ والعرب( {[911]} ) ] تقول : " خلوت به " ، و " خلوت إليه ومعه " ، لكن الباء يجوز أن تدل على أن معنى " خلوت به " من السخرية( {[912]} ) و " إلى " " لا تدل إلى على " خلوت إليه " في أمر ما . والآية ليست/ على معنى السخرية ، فلذلك لم( {[913]} ) يأت بالباء لما فيها من الإشكال إذ هي تحتمل( {[914]} ) معنى " إلى " ، وتحتمل( {[915]} ) السخرية( {[916]} ) . وأيضاً فإن معنى " إلى " أنه على معنى : [ وإذا صرفوا( {[917]} ) ] إلى شياطينهم/ قالوا : إنا معكم ، أي على دينكم [ الجالب لإلى " ]( {[918]} ) الانصراف الذي دل عليه الكلام ، والباء لا تدخل مع الانصراف الذي دل( {[919]} ) عليه الكلام ، فلذلك أيضاً لم تدخل مع " خلوا( {[920]} ) " .

وفي اشتقاق " شيطان " قولان :

- قيل : هو فعلان من " شيط " فلا ينصرف إذا سميت به في المعرفة للتعريف والزيادتين كعثمان ، وينصرف في النكرة( {[921]} ) ، وذلك المستعمل فيه في الكلام والقرآن . أعني النكرة على أنه واحد من جنسه كَسِرْحَان اسم واحد " الذِّئَاب " .

- وقيل : هو ( فَيْعَال ) من الشطن وهو الحبل ، فيكون معناه أنه ممتد في الشر ، ومنه " بِئْر( {[922]} ) شَطُونٌ " ، إذا كانت بعيدة الاستقاء( {[923]} ) . وهو عند القتبي فَيْعال " من شطن " أي بَعُدَ من الخير يقال : " شطنت داره( {[924]} ) " ، أي( {[925]} ) بعدت .

فهو ينصرف( {[926]} ) على هذين القولين في المعرفة والنكرة . وتصغيره على القول الأول في المعرفة شيطان ، ولا يجمع على شياطين إلا أن تجعله( {[927]} ) نكرة فيجمع على شياطين . " كسرحان ، وسراحين ، ووزنه فعالين( {[928]} ) على مذهب من جعله مِنْ " شَيَّطَ " ووزنه ( فياعيل ) على مذهب من جعله من " شطن " وتصغيره على القولين الآخرين( {[929]} ) " شييطين " في المعرفة والنكرة .

قوله : ( إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ )[ 13 ] .

أي نستهزئ بالمومنين في قولنا/ لهم : " آمنا " . وهمزة " مستهزئون " يجوز في تخفيفها وجهان : أحدهما : ( {[930]} ) أن تجعلها بين الهمزة المضمومة والواو الساكنة( {[931]} ) ، وهو قول سيبويه( {[932]} ) .

والوجه الثاني : أن تجعلها بين الهمزة المضمومة والياء الساكنة لأجل انكسار ما قبلها وهو قول الأخفش . وحكى بدلها بياء بياء مضمومة وليس بقياس( {[933]} ) .


[896]:- في ق: وقوله.
[897]:- انظر: هذا التوجيه في الإملاء 1/19، وتفسير القرطبي 1/206.
[898]:- في ع2: وهذا، وفي ع3: هذه.
[899]:- في ق: وقوله.
[900]:- في ع2: ادخلوا وهو تحريف.
[901]:- عزاه ابن عطية والقرطبي إلى ابن عباس. انظر: المحرر الوجيز 1/124، وتفسير القرطبي 1/207.
[902]:- الأنعام آية 113.
[903]:- في ع3: عن. وهو تحريف.
[904]:- انظر: تفسير ابن مسعود 2/27 والمصدرين السابقين.
[905]:- انظر: جامع البيان 1/297، والقول لمجاهد في صحيح البخاري 5/147.
[906]:- في ع2: أموالكم. وهو خطأ.
[907]:- النساء آية 2.
[908]:- انظر: المحرر الوجيز 1/123، وتفسير القرطبي 1/202.
[909]:- سقط من ع2، ح، ع3.
[910]:- انظر: تفسير القرطبي 1/207.
[911]:- في ق: فالعرب.
[912]:- قوله "من السخرية" سقط من ع2.
[913]:- في ع2: بل. وهو خطأ.
[914]:- في ع1: يحتمل.
[915]:- في ق: يحتمل.
[916]:- وقد قال ابن علية "قال مكي: "خلوت بفلان بمعنى، سخرت به فجاءت إلى في الآية زوالاً عن الاشتراك في البناء" المحرر الوجيز 1/123.
[917]:- في ع2: وإذ.
[918]:- في ق: فالخالف لا إلى. وهو تحريف.
[919]:- سقط من ع2، ع3.
[920]:- انظر: مثله في جامع البيان 1/299 والمحرر الوجيز 1/123.
[921]:- في ع2: النكرتين.
[922]:- سقط من ع2.
[923]:- في ق: الاسقاء.
[924]:- في ع2: أي داره.
[925]:- في ح: إذا.
[926]:- في ق: يتصرف. وهو تصحيف.
[927]:- قوله: "إلا أن تجعله شياطين" ساقط من ع3.
[928]:- في ع3: فياعيل.
[929]:- في ق، ع3: الأخيرين.
[930]:- في ع3: إحداهما.
[931]:- في ع1، ق: والساكنة.
[932]:- وسيبويه هو أبو بشر عمرو بن عثمان، إمام البصريين في النحو، أخذ عن الخليل والأخفش أبي الخطاب، وأخذ عنه قطرب، وغيره (ت180هـ) انظر: نزهة الألبا 54-58، وبغية الوعاة 2/229-230.
[933]:- فيقرأ "مُسْتَهْزِيُونَ". انظر: المحرر الوجيز 1/125.