{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون } ، اللقاء : استقبال الشخص قريباً منه ، والفعل منه لقي يلقى ، وقد يقال لاقى ، وهو فاعل بمعنى الفعل المجرّد ، وسمع للقى أربعة عشر مصدراً ، قالوا : لقى ، لقيا ، ولقية ، ولقاة ، ولقاء ، ولقاء ، ولقى ، ولقي ، ولقياء ، ولقياء ، ولقيا ، ولقيانا ، ولقيانة ، وتلقاء .
الخلو : الانفراد ، خلا به أي انفرد ، أو المضي ، { قد خلت من قبلكم سنن } الشيطان ، فيعال عند البصريين ، فنونه أصلية من شطن ، أي بعد ، واسم الفاعل شاطن ، قال أمية :
أيما شاطن عصاه عكاه *** ثم يلقى في السجن والأكبال
وفي أخاديد السياط المتن *** شاف لبغي الكلب المشيطن
ووزنه فعلان عند الكوفيين ، ونونه زائدة من شاط يشيط إذا هلك ، قال الشاعر :
قد تظفر العير في مكنون قائلة *** وقد تشطو على أرماحنا البطل
والشيطان كل متمرد من الجن والإنس والدواب ، قاله ابن عباس ، وأنثاه شيطانة ، قال الشاعر :
هي البازل الكوماء لا شيء غيرها *** وشيطانة قد جن منها جنونها
وشياطين : مع شيطان ، نحو غراثين في جمع غرثان ، وحكاه الفراء ، وهذا على تقدير أن نونه زائدة تكون نحو : غرثان ، مع اسم معناه الصحبة اللائقة بالمذكور ، وتسكينها قبل حركة لغة ربيعة وغنم ، قاله الكسائي .
وإذا سكنت فالأصح أنها اسم ، وإذا ألقيت ألف اللام أو ألف الوصل ، فالفتح لغة عامّة العرب ، والكسر لغة ربيعة ، وتوجيه اللغتين في النحو ، ويستعمل ظرف مكان فيقع خبراً عن الجثة والأحداث ، وإذا أفرد نوّن مفتوحاً ، وهي ثلاثي الأصل من باب المقصور ، إذ ذاك لا من باب يد ، خلافاً ليونس ، وأكثر استعمال معاً حال ، نحو : جميعاً ، وهي أخص من جميع لأنها تشرك في الزمان نصاً ، وجميع تحتمله .
وقد سأل أحمد بن يحيى أحمد بن قادم عن الفرق بين .
قام عبد الله وزيد معاً ، وقام عبد الله وزيد جميعاً ، قال : فلم يزل يركض فيها إلى الليل ، وفرق ابن يحيى : بأن جميعا يكون القيام في وقتين وفي وقت واحد ، وأما إذا قلت : معاً ، فيكون في وقت واحد .
الاستهزاء : الاستخفاف والسخرية ، وهو استفعل بمعنى الفعل المجرد ، وهو فعل ، تقول : هزأت به واستهزأت بمعنى واحد ، مثل استعجب : بمعنى عجب ، وهو أحد المعاني التي جاءت لها استفعل .
قرأ ابن السميفع اليماني ، وأبو حنيفة : { وإذا لاقوا الذين } ، وهي فاعل بمعنى الفعل المجرد ، وهو أحد معاني فاعل الخمسة ، والواو المضمومة في هذه القراءة هي واو الضمير تحركت لسكون ما بعدها ، ولم تعد لام الكلمة المحذوفة لعروض التحريك في الواو ، واللقاء يكون بموعد وبغير موعد ، فإذا كان بغير موعد سمي مفاجأة ومصادفة ، وقولهم لمن لقوا من المؤمنين : آمنا ، بلفظ مطلق الفعل غير مؤكد بشيء تورية منهم وإيهاماً ، فيحتمل أن يريدوا به الإيمان بموسى وبما جاء به دون غيره ، وذلك من خبثهم وبهتهم ، ويحتمل أن يريدوا به الإيمان المقيد في قولهم : { آمنا بالله وباليوم الآخر } ، وليسوا بصادقين في ذلك ، ويحتمل أن يريدوا بذلك ما أظهروه بألسنتهم من الإيمان ، ومن اعترافهم حين اللقاء ، وسموا ذلك إيماناً ، وقلوبهم عن ذلك صارفة معرضة .
وقرأ الجمهور : خلوا إلى بسكون الواو وتحقيق الهمزة ، وقرأ ورش : بإلقاء حركة الهمزة على الواو وحذف الهمزة ، ويتعدى خلا بالباء وبإلى ، والباء أكثر استعمالاً ، وعدل إلى إلى لأنها إذا عديت بالباء احتملت معنيين : أحدهما : الانفراد ، والثاني : السخرية ، إذ يقال في اللغة : خلوت به ، أي سخرت منه ، وإلى لا يحتمل إلا معنى واحداً ، وإلى هنا على معناها من انتهاء الغاية على معنى تضمين الفعل ، أي صرفوا خلاهم إلى شياطينهم ، قال الأخفش : خلوت إليه ، جعلته غاية حاجتي ، وهذا شرح معنى ، وزعم قوم ، منهم النضر بن شميل : إن إلى هنا بمعنى مع أي : وإذا خلوا مع شياطينهم ، كما زعموا ذلك في قوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } { من أنصاري إلى الله } أي مع أموالكم ومع الله ، ومنه قول النابغة :
فلا تتركني بالوعيد كأنني *** إلى الناس مطلي به القار أجرب
وقيل : إلى بمعنى الباء ، لأن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض ، وهذا ضعيف ، إذ نيابة الحرف عن الحرف لا يقول بها سيبويه ، والخليل ، وتقرير هذا في النحو .
وشياطينهم : هم اليهود الذين كانوا يأمرونهم بالتكذيب ، قاله ابن عباس ؛ أو رؤساؤهم في الكفر ، قاله ابن مسعود .
وروي أيضاً عن ابن عباس : أو شياطين الجن ، قاله الكلبي : أو كهنتهم ، قاله الضحاك وجماعة .
وكان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكهنة جماعة منهم : كعب بن الأشرف من بني قريظة ، وأبو بردة في بني أسلم ، وعبد الدار في جهينة ، وعوف بن عامر في بني أسد ، وابن السوداء في الشام ، وكانت العرب يعتقدون فيهم الاطلاع على علم الغيب ، ويعرفون الأسرار ، ويداوون المرضى ، وسموا شياطين لتمردهم وعتوّهم ، أو باسم قرنائهم من الشياطين ، إن فسروا بالكهنة ، أو لشبههم بالشياطين في وسوستهم ، وغرورهم ، وتحسينهم للفواحش ، وتقبيحهم للحسن .
والجمهور على تحريم العين من معكم ، وقرئ في الشاذ : إنا معكم ، وهي لغة غنم وربيعة ، وقد اختلف القولان منهم ، فقالوا للمؤمنين : آمنا ، ولشياطينهم إنا معكم .
فانظر إلى تفاوت القولين ، فحين لقوا المؤمنين قالوا آمنا ، أخبروا بالمطلق ، كما تقدم ، من غير توكيد ، لأن مقصودهم الإخبار بحدوث ذلك ونشئه من قبلهم ، لا في ادعاء أنهم أوحديون فيه ، أو لأنه لا تطوع بذلك ألسنتهم لأنه لا باعث لهم على الإيمان حقيقة ، أو لأنه لو أكدوه ما راج ذلك على المؤمنين فاكتفوا بمطلق الإيمان ، وذلك خلاف ما أخبر الله عن المؤمنين بقوله : ربنا إننا آمنا ، وحين لقوا شياطينهم ، أو خلوا إليهم قالوا : إنا معكم ، فأخبروا إنهم موافقوهم ، وأخرجوا الأخبار في جملة اسمية مؤكدة بأن ليدلوا بذلك على ثباتهم في دينهم ، ثم بينوا أن ما أخبروا به الذين آمنوا إنما كان على سبيل الاستهزاء ، فلم يكتفوا بالإخبار بالموافقة ، بل بينوا أن سبب مقالتهم للمؤمنين إنما هو الاستهزاء والاستخفاف ، لا أن ذلك صادر منهم عن صدق ، وجد ، وأبرزوا هذا في الإخبار في جملة اسمية مؤكدة بإنما مخبر عن المبتدأ فيها باسم الفاعل الذي يدل على الثبوت ، وأن الاستهزاء وصف ثابت لهم ، لا أن ذلك تجدد عندهم ، بل ذلك من خلقهم وعادتهم مع المؤمنين ، وكأن هذه الجملة وقعت جواباً لمنكر عليهم قولهم : إنا معكم ، كأنه قال : كيف تدعون أنكم معنا وأنتم مسالمون للمؤمنين ، تصدقونهم ، وتكثرون سوادهم ، وتستقبلون قبلتهم ، وتأكلون ذبائحهم ؟ فأجابوهم بقولهم : { إنما نحن مستهزءُون } ، أي مستخفون بهم ، نصانع بما نظهر من ذلك عن دمائنا وأموالنا وذرياتنا ، فنحن نوافقهم ظاهراً ونوافقكم باطناً ، والقائل إنا معكم ، أما المنافقون لكبارهم ، وأما كل المنافقين للكافرين ، وقرئ : مستهزءون ، بتحقيق الهمزة ، وهو الأصل ، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها ، ومنهم من يحذف الياء تشبيهاً بالياء الأصلية في نحو : يرمون ، فيضم الراء .
ومذهب سيبويه ، رحمه الله ، في تحقيقها : أن تجعل بين بين .
ومذهب أبي الحسن : أن تقلب ياء قلباً صحيحاً .
قال أبو الفتح : حال الياء المضمومة منكر ، كحال الهمزة المضمومة .
والعرب تعاف ياء مضمومة قبلها كسرة ، وأكثر القراء على ما ذهب إليه سيبويه ، انتهى .
وهل الاجتماع والمعية في الدين ، أو في النصرة والمعونة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، أو في اتفاقهم مع الكفار على اطلاعهم على أحوال المؤمنين وإعلامهم بما أجمعوا عليه من الأمر وأخفوه من المكايد ، أو في اتفاقهم مع الكفار على أذى المسلمين وتربصهم بهم الدوائر وفرحهم بما يسوء المسلمين وحزنهم بما يسرهم وقصدهم إخماد كلمة الله ؟ أقوال أربعة ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.