غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ} (14)

8

البحث الخامس : في قوله { وإذا لقوا الذين آمنوا } الآيات .

هذا هو النوع الرابع من قبائح أفعالهم ، والفرق بين هذه الآية وبين قوله { ومن الناس من يقول آمنا } أن تلك في بيان مذهبهم والترجمة عن نفاقهم ، وهذه في بيان معاملتهم مع المؤمنين من التكذيب لهم والاستهزاء بهم . عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه ، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن أبي : انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم . فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال : مرحباً بالصديق سيد بني تميم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ، الباذل نفسه وماله ، ثم أخذ بيد عمر فقال : مرحباً بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله ، ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال : مرحباً بابن عم رسول الله وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله . ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت ، فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت ، فأثنوا عليه خيراً . فرجع المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك فنزلت . ويقال : لقيته ولاقيته إذا استقبلته قريباً منه . وخلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه ، ويجوز أن يكون من خلال بمعنى مضى ، وخلاك ذم أي عداك ومضى عنك ، ومنه القرون الخالية ، أو من خلوت به إذا سخرت منه وهو من قولك " خلا فلان بعرض فلان " عبث به ، ومعناه إذا أنهوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم وحدثوهم بها كما تقول : أحمد إليك فلاناً أو أذمه إليك أي أنهي إليك حمدي لفلان أو ذمي . وعن ابن عباس : إني أحمد إليك عسل الإحليل أي أعلمكم أنه أمر محمود . وشياطينهم رؤساؤهم وأكابرهم الذين ماثلوا الشياطين في تمردهم . وهم إما أكابر المنافقين فالقائلون . إنا معكم أي مصاحبوكم وموافقوكم على أمر دينكم أصاغرهم ، وإما أكابر الكافرين فالقائلون يحتمل أن يكون جميع المنافقين . وإنما فسرنا الشياطين بالرؤساء لأنهم هم القادرون على الإفساد في الأرض ، وإنما خاطبوا المؤمنين بأضعف الجملتين وهي الفعلية ، وشياطينهم بأقواهما أعني الاسمية المحققة بان لأنهم في ادعاء حدوث الإيمان الناشئ عن صميم القلب منهم لا في ادعاء أنهم أوحديون في الإيمان كاملون ، إما لأن أنفسهم لا تساعدهم عليه وهكذا كل قول لم يصدر عن صدق رغبة وباعث داخلي ، وإما لأنه لا يروج عنهم لو قالوه على وجه التوكيد وهم بين ظهراني المهاجرين والأنصار القائلين " ربنا إننا آمنا " وإما مخاطبة إخوانهم فعن وفور نشاط ورغبة وفي حيز القبول والرواج فكان مظنة للتحقيق ومئنة للتوكيد ، وإنما فقد العاطف بين قوله { إنا معكم } وبين قوله { إنما نحن مستهزءون } الأوّل معناه الثبات على الكفر ، والثاني ردّ للإسلام . لأن المستهزئ بالشيء منكر له دافع ، ودفع نقيض الشيء إثبات وتأكيد للشيء . أو لأن الثاني بدل منه لأن من حقر الإسلام فقد عظم الكفر ، أو لأنه استئناف كأنه قيل : ما بالكم إن صح أنكم معنا توافقون أهل الإسلام ؟ فقالوا : إنما نحن مستهزئون . والاستهزاء السخرية والاستخفاف ، وأصله الخفة من الهزء وهو القتل السريع .