البحث الخامس : في قوله { وإذا لقوا الذين آمنوا } الآيات .
هذا هو النوع الرابع من قبائح أفعالهم ، والفرق بين هذه الآية وبين قوله { ومن الناس من يقول آمنا } أن تلك في بيان مذهبهم والترجمة عن نفاقهم ، وهذه في بيان معاملتهم مع المؤمنين من التكذيب لهم والاستهزاء بهم . عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه ، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن أبي : انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم . فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال : مرحباً بالصديق سيد بني تميم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ، الباذل نفسه وماله ، ثم أخذ بيد عمر فقال : مرحباً بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله ، ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال : مرحباً بابن عم رسول الله وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله . ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت ، فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت ، فأثنوا عليه خيراً . فرجع المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك فنزلت . ويقال : لقيته ولاقيته إذا استقبلته قريباً منه . وخلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه ، ويجوز أن يكون من خلال بمعنى مضى ، وخلاك ذم أي عداك ومضى عنك ، ومنه القرون الخالية ، أو من خلوت به إذا سخرت منه وهو من قولك " خلا فلان بعرض فلان " عبث به ، ومعناه إذا أنهوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم وحدثوهم بها كما تقول : أحمد إليك فلاناً أو أذمه إليك أي أنهي إليك حمدي لفلان أو ذمي . وعن ابن عباس : إني أحمد إليك عسل الإحليل أي أعلمكم أنه أمر محمود . وشياطينهم رؤساؤهم وأكابرهم الذين ماثلوا الشياطين في تمردهم . وهم إما أكابر المنافقين فالقائلون . إنا معكم أي مصاحبوكم وموافقوكم على أمر دينكم أصاغرهم ، وإما أكابر الكافرين فالقائلون يحتمل أن يكون جميع المنافقين . وإنما فسرنا الشياطين بالرؤساء لأنهم هم القادرون على الإفساد في الأرض ، وإنما خاطبوا المؤمنين بأضعف الجملتين وهي الفعلية ، وشياطينهم بأقواهما أعني الاسمية المحققة بان لأنهم في ادعاء حدوث الإيمان الناشئ عن صميم القلب منهم لا في ادعاء أنهم أوحديون في الإيمان كاملون ، إما لأن أنفسهم لا تساعدهم عليه وهكذا كل قول لم يصدر عن صدق رغبة وباعث داخلي ، وإما لأنه لا يروج عنهم لو قالوه على وجه التوكيد وهم بين ظهراني المهاجرين والأنصار القائلين " ربنا إننا آمنا " وإما مخاطبة إخوانهم فعن وفور نشاط ورغبة وفي حيز القبول والرواج فكان مظنة للتحقيق ومئنة للتوكيد ، وإنما فقد العاطف بين قوله { إنا معكم } وبين قوله { إنما نحن مستهزءون } الأوّل معناه الثبات على الكفر ، والثاني ردّ للإسلام . لأن المستهزئ بالشيء منكر له دافع ، ودفع نقيض الشيء إثبات وتأكيد للشيء . أو لأن الثاني بدل منه لأن من حقر الإسلام فقد عظم الكفر ، أو لأنه استئناف كأنه قيل : ما بالكم إن صح أنكم معنا توافقون أهل الإسلام ؟ فقالوا : إنما نحن مستهزئون . والاستهزاء السخرية والاستخفاف ، وأصله الخفة من الهزء وهو القتل السريع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.