تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (26)

{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل اللهم مالك الملك } أي : أنت الملك المالك لجميع الممالك ، فصفة الملك المطلق لك ، والمملكة كلها علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك ، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها ، فقال : { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن تبعهم ويؤتيه أمة محمد ، وقد فعل ولله الحمد ، فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى ، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله ، فإنها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء ، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر ، ومن الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح ، التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم ، وإعدادهم الآلات التي يقدروا عليها والصبر وعدم التنازع ، قال الله تعالى : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } الآية فأخبر أن الإيمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور ، وقال تعالى : { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم } الآية وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } فأخبر أن ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الأعداء ، وأنت إذا استقرأت الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال ملكها ترك الدين والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم ، ثم قال تعالى : { وتعز من تشاء } بطاعتك { وتذل من تشاء } بمعصيتك { إنك على كل شيء قدير } لا يمتنع عليك أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (26)

{ قل اللهم } الميم عوض عن يا ولذلك لا يجتمعان ، وهو من خصائص هذا الاسم كدخول يا عليه مع لام التعريف وقطع همزته وتاء القسم . وقيل أصله يا الله أمنا بخير ، فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته . { مالك الملك } يتصرف فيما يمكن التصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون ، وهو نداء ثان عند سيبويه فإن الميم عنده تمنع الوصفية . { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } تعطي منه ما تشاء من تشاء وتسترد ، فالملك الأول عام والآخران بعضان منه . وقيل : المراد بالملك النبوة ونزعها نقلها من قوم إلى قوم { وتعز من تشاء وتذل من تشاء } في الدنيا أو في الآخرة ، أو فيهما بالنصر والإدبار والتوفيق والخذلان . { بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } ذكر الخير وحده لأنه المقضي بالذات ، والشر مقضي بالعرض ، إذ لا يوجد شر جزئي ما لم يتضمن خيرا كليا ، أو لمراعاة الأدب في الخطاب ، أو لأن الكلام وقع فيه إذ روي ( أنه عليه السلام لما خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا ، وأخذوا يحفرون ، فظهر فيه صخرة عظيمة لم يعمل فيها المعاول ، فوجهوا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره ، فجاء عليه الصلاة والسلام فأخذ المعول منه فضربها ضربة صدعتها . وبرق منها برق أضاء منه ما بين لابتيها لكأن بها مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر وكبر معه المسلمون وقال " أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب ، ثم ضرب الثانية فقال : أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم ، ثم ضرب الثالثة فقال : أضاءت لي منها قصور صنعاء " وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة على كلها فأبشروا " . فقال المنافقون : ( ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق ) فنزلت . فنبه على أن الشر أيضا بيده بقول { إنك على كل شيء قدير } .