تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

ثم أمر تعالى رسوله أن يصبر على أذية المكذبين المعادين له وأن لا يزال داعيا لهم إلى الله وأن يقتدي بصبر أولي العزم من المرسلين سادات الخلق أولي العزائم والهمم العالية الذين عظم صبرهم ، وتم يقينهم ، فهم أحق الخلق بالأسوة بهم والقفو لآثارهم والاهتداء بمنارهم .

فامتثل صلى الله عليه وسلم لأمر ربه فصبر صبرا لم يصبره نبي قبله حتى رماه المعادون له عن قوس واحدة ، وقاموا جميعا بصده عن الدعوة إلى الله وفعلوا ما يمكنهم من المعاداة والمحاربة ، وهو صلى الله عليه وسلم لم يزل صادعا بأمر الله مقيما على جهاد أعداء الله صابرا على ما يناله من الأذى ، حتى مكن الله له في الأرض وأظهر دينه على سائر الأديان وأمته على الأمم ، فصلى الله عليه وسلم تسليما .

وقوله : { وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } أي : لهؤلاء المكذبين المستعجلين للعذاب فإن هذا من جهلهم وحمقهم فلا يستخفنك بجهلهم ولا يحملك ما ترى من استعجالهم على أن تدعو الله عليهم بذلك فإن كل ما هو آت قريب ، و { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا } في الدنيا { إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ } فلا يحزنك تمتعهم القليل وهم صائرون إلى العذاب الوبيل .

{ بَلَاغٌ } أي : هذه الدنيا متاعها وشهوتها ولذاتها بلغة منغصة ودفع وقت حاضر قليل .

أو هذا القرآن العظيم الذي بينا لكم فيه البيان التام بلاغ لكم ، وزاد إلى الدار الآخرة ، ونعم الزاد والبلغة زاد يوصل إلى دار النعيم ويعصم من العذاب الأليم ، فهو أفضل زاد يتزوده الخلائق وأجل نعمة أنعم الله بها عليهم .

{ فَهَلْ يُهْلَكُ } بالعقوبات { إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } أي : الذين لا خير فيهم وقد خرجوا عن طاعة ربهم ولم يقبلوا الحق الذي جاءتهم به الرسل .

وأعذر الله لهم وأنذرهم فبعد ذلك إذ يستمرون على تكذيبهم وكفرهم نسأل الله العصمة .

آخر تفسير سورة الأحقاف ، والحمد لله رب العالمين

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

{ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون }

( فاصبر ) على أذى قومك ( كما صبر أولوا العزم ) ذوو الثبات والصبر على الشدائد ( من الرسل ) قبلك فتكون ذا عزم ، ومن للبيان فكلهم ذوو عزم وقيل للتبعيض فليس منهم آدم لقوله تعالى " ولم نجد له عزماً " ولا يونس لقوله تعالى " ولا تكن كصاحب الحوت " ( ولا تستعجل لهم ) لقومك نزول العذاب بهم ، قيل كأنه ضجر منهم فأحب نزول العذاب بهم ، فأمر بالصبر وترك الاستعجال للعذاب فإنه نازل لا محالة ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون ) من العذاب في الآخرة لطوله ( لم يلبثوا ) في الدنيا في ظنهم ( إلا ساعة من نهار ) هذا القرآن ( بلاغ ) تبليغ من الله إليكم ( فهل ) أي لا ( يهلك ) عند رؤية العذاب ( إلا القوم الفاسقون ) أي الكافرون .