تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الحديد [ وهي ] مدنية

{ 1-6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }

يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وسعة سلطانه ، أن جميع ما في السماوات والأرض من الحيوانات الناطقة والصامتة وغيرها ، [ والجوامد ] تسبح بحمد ربها ، وتنزهه عما لا يليق بجلاله ، وأنها قانتة لربها ، منقادة لعزته ، قد ظهرت فيها آثار حكمته ، ولهذا قال : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فهذا فيه بيان عموم افتقار المخلوقات العلوية والسفلية لربها ، في جميع أحوالها ، وعموم عزته وقهره للأشياء كلها ، وعموم حكمته في خلقه وأمره .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مدنية .

قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا بَقِيَّة بن الوليد ، حدثني بحير بن سعد ، عن خالد بن مَعْدَان ، عن بن أبي بلال ، عن عِرْبَاض بن سارية ، أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد ، وقال : " إن فيهن آية أفضل من ألف آية " .

وهكذا رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، من طرق عن بقية ، به {[1]} وقال الترمذي : حسن غريب .

ورواه النسائي عن ابن أبي السرح ، عن ابن وهب ، عن معاوية بن صالح ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكره مُرْسَلا لم يذكر عبد الله بن أبي بلال ، ولا العرباض بن سارية{[2]}

والآية المشار إليها في الحديث هي - والله أعلم - قوله : { هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } كما سيأتي بيانه إن شاء الله وبه الثقة{[3]} .

يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السموات والأرض أي : من الحيوانات والنباتات ، كما قال في الآية الأخرى : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } [ الإسراء : 44 ] .

وقوله : { وَهُوَ الْعَزِيزُ } أي : الذي قد خضع له كل شيء { الحكيم } في خلقه وأمره وشرعه


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحديد مدنية وقيل مكية وآيها تسع وعشرون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم سبح لله ما في السموات والأرض ذكر ها هنا وفي الحشر والصف بلفظ الماضي وفي الجمعة والتغابن بلفظ المضارع إشعارا بأن من شأن ما أسند إليه أن يسبحه في جميع أوقاته لأنه دلالة جبلية لا تختلف باختلاف الحالات ومجيء المصدر مطلقا في بني إسرائيل أبلغ من حيث إنه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شيء وفي كل حال وإنما عدي باللام وهو متعد بنفسه مثل نصحت له في نصحته إشعارا بأن إيقاع الفعل لأجل الله وخالصا لوجهه وهو العزيز الحكيم حال يشعر بما هو المبدأ للتسبيح .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

( 57 ) سورة الحديد مدنية

وآياتها تسع وعشرون

وهي مدنية فيما قال النقاش وغيره بإجماع من المفسرين وقال غيره مكية قال القاضي أبو محمد ولا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا لكن يشبه صدرها أن يكون مكيا والله اعلم وقد ذكرنا قول ابن عباس إن اسم الله الأعظم هو في ست آيات من أول سورة الحديد وروي أن الدعاء بعد قراءتها مستجاب{[1]} .

قال أكثر المفسرين : التسبيح هنا هو التنزيه المعروف في قولهم : سبحان الله ، وهذا عندهم إخبار بصيغة الماضي مضمنه الدوام أن التسبيح مما ذكر دائم مستمر ، واختلفوا هل هذا التسبيح حقيقة أو مجاز على معنى أثر الصنعة فيها تنبه الرائي على التسبيح ، فقال الزجاج وغيره : والقول بالحقيقة أحسن ، وقد تقدم القول فيه غير مرة ، وهذا كله في الجمادات ، وأما ما يمكن التسبيح منه فقول واحد إن تسبيحهم حقيقة ، وقال قوم من المفسرين : التسبيح في هذه السورة : الصلاة ، وهذا قول متكلف ، فأما فيمن يمكن منه ذلك فسائغ ، وأما سجود ظلال الكفار هي صلاتهم ، وأما في الجمادات فيقلق ، وذلك أن خضوعها وخشوع هيئاتها قد يسمى في اللغة سجوداً أو استعارة كما قال الشاعر [ زيد الخيل ] : [ الطويل ]

ترى الأكم فيها سُجَّداً للحوافر . . . {[10949]}

ويبعد أن تسمى تلك صلاة الأعلى تحامل .

وقوله : { ما في السماوات والأرض } عام في جميع المخلوقات ، وقال بعض النحاة ، التقدير : ما في السماوات وما في الأرض ، ف «ما » نكرة موصوفة حذفها وأقام الصفة مقامها ، { وهو العزيز } بقدرته وسلطانه ، { الحكيم } بلطفه وتدبيره وحكمته .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[10949]:هذا عجز بيت سبق الاستشهاد به أكثر من مرة، وأولها عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة:{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم}، والبيت في اللسان والتاج والطبري والقرطبي، وهو بتمامه: بجمع تضل البُلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر والبُلق: جمع أبلق وهو الفرس إذا كان فيه بياض وسواد، والحَجرات: الجوانب، والأكم: التلال.