تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (102)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

هذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه ، وأن يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه ويستقيموا إلى الممات ، فإن من عاش على شيء مات عليه ، فمن كان في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته ، منيبا إليه على الدوام ، ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة ، وتقوى الله حق تقواه كما قال ابن مسعود : وهو أن يُطاع فلا يُعصى ، ويُذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، وهذه الآية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى ، وأما ما يجب على العبد منها ، فكما قال تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا ، يجمعها فعل ما أمر الله به وترك كل ما نهى الله عنه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (102)

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سِنان ، حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان وشُعْبَة ، عن زُبَيْد الياميّ ، عن مُرَّة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال : أن يُطاع فلا يُعْصَى ،

وأن يُذْكَر فلا يُنْسَى ، وأن يُشْكَر فلا يُكْفَر{[5419]} .

وهذا إسناد صحيح موقوف ، [ وقد تابع مرة عليه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود ] {[5420]} .

وقد رواه ابن مَرْدُويه من حديث يونس بن{[5421]} عبد الأعلى ، عن ابن وَهْب ، عن سفيان الثوري ، عن زُبَيْد ، عن مُرَّة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } أن يُطَاعَ فَلا يُعْصَى ، وَيُشْكَرَ فَلا يُكْفَرَ ، ويُذْكَر فَلا يُنْسَى " .

وكذا رواه الحاكم في مستدركه ، من حديث مِسْعَر ، عن زُبَيْد ، عن مُرَّة ، عن ابن مسعود ، مرفوعا فذكره . ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . كذا قال . والأظهر{[5422]} أنه موقوف{[5423]} والله أعلم .

ثم قال ابن أبي حاتم : ورُوي نحوهُ عن مُرة الهَمْداني ، والربيع بن خُثَيم ، وعمرو بن ميمون ، وإبراهيم النَّخَعي ، وطاووس ، والحسن ، وقتادة ، وأبي سِنان ، والسُّدِّي ، نحوُ ذلك .

[ وروي عن أنس أنه قال : لا يتقي العبد الله حق تقاته حتى يخزن من لسانه ]{[5424]} .

وقد ذهب سعيد بن جُبَير ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، ومقاتل بن حَيّان ، وزيد بن أسلم ، والسُّدِّي وغيرهم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ]

وقال علي بن أبي طَلْحة ، عن ابن عباس في قوله : { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال : لم تُنْسخ ، ولكن { حَقَّ تُقَاتِهِ } أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده ، ولا تأخذهم في الله لَوْمَة لائم ، ويقوموا بالقِسْط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم .

وقوله : { وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } أي : حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه ، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بُعث عليه ، فعياذًا بالله من خلاف ذلك .

قال الإمام أحمد : حدثنا رَوْح ، حدثنا شُعْبة قال : سمعتُ سليمان ، عن مجاهد ، أنّ الناس كانوا يطوفون بالبيت ، وابنُ عباس جالس معه مِحْجَن ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } وَلَوْ أنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ لأمَرّتْ عَلَى أهْلِ الأرْضِ عِيشَتَهُمْ {[5425]}فَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ إلا الزَّقُّومُ " .

وهكذا رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن حِبَّان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، من طرق عن شعبة ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح . وقال الحاكم : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه{[5426]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وَهْب ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ، عن عبد الله بن عَمْرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّار وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ ، وَهُوَ يُؤْمِنُ{[5427]} بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، ويَأْتِي إلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أنْ يُؤتَى إلَيْهِ " {[5428]} .

وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث : " لا يَمُوتَنَّ أحَدُكُمْ{[5429]} إلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ " . ورواه مسلم من طريق الأعمش ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا [ أبو ]{[5430]} يونس ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ اللهَ قال : أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، فإنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإنْ ظَنَّ شَرا فَلَهُ " {[5431]} .

وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين{[5432]} من وجه آخر ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَقُولُ اللهُ [ عز وجل ]{[5433]} أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي " {[5434]} .

وقال الحافظ أبو بكر البزّار : حدثنا محمد بن عبد الملك القُرَشي ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت - وأحسبه - عن أنس قال : كان رجل من الأنصار مريضًا ، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يَعودُه ، فوافقه في السوق فسلَّم عليه ، فقال له : " كَيْفَ أنْتَ يَا فُلانُ ؟ " قال{[5435]} بخير يا رسول الله ، أرجو الله أخاف ذنوبي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ إلا أعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وآمَنَهُ ممَّا يَخَافُ " .

ثم قال : لا نعلم رواه عن ثابت غير جعفر بن سليمان . وهكذا رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة من حديثه ، ثم قال الترمذي : غريب . وقد رواه بعضهم عن ثابت مرسلا{[5436]} .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شُعبة ، عن أبي بِشْر ، عن يوسف بن مَاهك ، عن حكيم بن حِزَام قال : بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على ألا أخِرَّ إلا قائما . ورواه النسائي في سننه عن إسماعيل بن مسعود ، عن خالد بن الحارث ، عن شعبة ، به ، وترجم عليه فقال : ( باب كيف يخر للسجود ){[5437]} ثم ساقه مثله{[5438]} فقيل : معناه : على ألا أموت إلا مسلمًا ، وقيل : معناه : [ على ]{[5439]} ألا أُقتل إلا مُقبِلا غير مُدبِر ، وهو يرجع إلى الأول .


[5419]:في جـ: "أن يشكر فلا يكفر وأن يذكر فلا ينسى".
[5420]:زيادة من و.
[5421]:في أ: "عن".
[5422]:في أ، و: "الأشهر".
[5423]:المستدرك (2/294).
[5424]:زيادة من جـ، ر، و.
[5425]:في أ، و: "عيشهم".
[5426]:المسند (1/301) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11070) والمستدرك (2/294).
[5427]:في ر: "مؤمن".
[5428]:المسند (2/192).
[5429]:في أ، و: "أحد منكم".
[5430]:زيادة من ر.
[5431]:المسند (2/391).
[5432]:في جـ: "الصحيح".
[5433]:زيادة من أ.
[5434]:صحيح البخاري برقم (7505) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وصحيح مسلم برقم (2675) من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة.
[5435]:في جـ: "فقال".
[5436]:سنن الترمذي برقم (983) وسنن ابن ماجة برقم (4261) ورواه ابن أبي الدنيا في "حسن الظن بالله" برقم (31) وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (4/268).أما المرسل: فرواه ابن أبي الدنيا في "المرضى والكفارات" برقم (108) ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان من طريق حماد عن ثابت عن عبيد بن عمير مرسلا.
[5437]:المسند (3/402) وسنن النسائي (2/205).
[5438]:في جـ، أ: "عليه".
[5439]:زيادة من أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (102)

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } حق تقواه وما يجب منها ، وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم كقوله : { فاتقوا الله ما استطعتم } وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : هو أن يطيع فلا يعصي ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى . وقيل هو أن تنزه الطاعة عن الالتفات إليها وعن توقع المجازاة عليها . وفي هذا الأمر تأكيد للنهي عن طاعة أهل الكتاب ، وأصل تقاة وقية فقلبت واوها المضمومة تاء كما في تؤده وتخمه والياء ألفا . { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } أي ولا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت ، فإن النهي عن المقيد بحال أو غيرها قد يتوجه بالذات نحو الفعل تارة والقيد أخرى وقد يتوجه نحو المجموع دونهما وكذلك النفي .