ثم ضرب مثلا لما ينفقه الكفار من أموالهم التي يصدون بها عن سبيل الله ويستعينون بها على إطفاء نور الله ، بأنها تبطل وتضمحل ، كمن زرع زرعا يرجو نتيجته ويؤمل إدراك ريعه ، فبينما هو كذلك إذ أصابته ريح فيها صر ، أي : برد شديد محرق ، فأهلكت زرعه ، ولم يحصل له إلا التعب والعناء وزيادة الأسف ، فكذلك هؤلاء الكفار الذين قال الله فيهم : { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون } { وما ظلمهم الله } بإبطال أعمالهم { ولكن } كانوا { أنفسهم يظلمون } حيث كفروا بآيات الله وكذبوا رسوله وحرصوا على إطفاء نور الله ، هذه الأمور هي التي أحبطت أعمالهم وذهبت بأموالهم .
ثم ضرب مثلا لما ينفقه الكفار في هذه الدار ، قاله مجاهد والحسن ، والسُّدِّي ، فقال تعالى : { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } أي : بَرْد شديد ، قاله ابن عباس ، وعِكْرِمة ، وسعيد بن جُبَير وقتادة والحسن ، والضّحّاك ، والرَّبِيع بن أنس ، وغيرهم . وقال عطاء : بَرْد وجَلِيد . وعن ابن عباس أيضًا ومجاهد { فِيهَا صِرٌّ } أي : نار . وهو يرجع إلى الأول ، فإن البرد الشديد - سيّما{[5585]} الجليد{[5586]} - يحرق الزروع والثمار ، كما يحرق الشيء بالنار { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ } أي : أحرقته ، يعني بذلك السَّفْعة إذا نزلت على حَرْث قد آن جدَادُه أو حَصَاده فدمَّرَتْه وأعدَمَتْ ما فيه من ثمر أو زرع ، فذهبت به وأفسدته ، فعَدمَه صاحبه أحوج ما كان إليه . فكذلك الكفار يمحق الله ثوابَ أعمالهم في هذه الدنيا وثمرتها كما أذهب ثمرةَ هذا الحرث بذنوب صاحبه . وكذلك هؤلاء بَنَوْهَا على غير أصْل وعلى غير أساس { وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
{ مثل ما ينفقون } ما ينفق الكفرة قربة ، أو مفاخرة وسمعة ، أو المنافقون رياء أو خوفا . { في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر } برد شديد والشائع إطلاقه للريح الباردة كالصرر فهو في الأصل مصدر نعت به أو نعت وصف به البرد للمبالغة كقولك برد بارد . { أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم } بالكفر والمعاصي { فأهلكته } عقوبة لهم لأن الإهلاك عن سخط أشد ، والمراد تشبيه ما أنفقوا في ضياعه بحرث كفار ضربته صر فاستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة ما في الدنيا والآخرة ، وهو من التشبيه المركب ولذلك لم يبال بإيلاء كلمة التشبيه للريح دون الحرث ، ويجوز أن يقدر كمثل مهلك ريح وهو الحرث . { وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون } أي ما ظلم المنفقين بضياع نفقاتهم ، ولكنهم ظلموا أنفسهم لما لم ينفقوها بحيث يعتد بها ، أو ما ظلم أصحاب الحرث بإهلاكه ولكنهم ظلموا أنفسهم بارتكاب ما استحقوا به العقوبة . وقرئ { ولكن } أي ولكن أنفسهم يظلمونها ، ولا يجوز أن يقدر ضمير الشأن لأنه لا يحذف إلا في ضرورة الشعر كقوله :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.