الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَثَلِ رِيحٖ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمٖ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَكَتۡهُۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (117)

قوله تعالى : { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذه الحياة الدنيا كَمَثَلِ رِيحٍ . . . } [ آل عمران :117 ] .

وقع في الآية التشبيهُ بين شيئَيْن ، وشَيْئَيْن ، وتَرَكَ مِنْ كلٍّ منهما ما دلَّ عليه الكلام ، وهذه غايةُ الإيجازِ والبلاغةِ ، وجمهورُ المفسِّرين على أن { يُنفِقُونَ } يراد به الأموال التي كانُوا ينفقُونَها في التحنُّث ، أي : يبطلها كفْرهم ، كما تبطل الريح الزرْعَ ، والصِّرُّ : البَرْدُ الشديدُ ، المُحْرِقُ ، لكلِّ ما يهُبُّ عليه ، والحَرْثُ : شامل للزرعِ ، والثمارِ .

وقوله سبحانه : { حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ . . . } الآية ، مِنْ أَهْلِ العِلْم من يرى أنَّ كل مصائبِ الدنيا ، فإنما هي بمعاصِي العبيدِ ، وينتزع ذلك مِنْ غير ما آية في القرآن ، فيستقيم على قوله ، إنَّ كلَّ حرثٍ تحرقُهُ ريحٌ ، فإنما هو لِمَنْ قد ظلم نفْسَه ، والضميرُ في قوله : { وَمَا ظَلَمَهُمُ الله } للكفَّار الذين تقدَّم ضميرهم في { يُنفِقُونَ } ، وليس هو للقومِ ذوي الحَرْث .