فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَثَلِ رِيحٖ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمٖ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَكَتۡهُۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (117)

وقوله : { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ } بيان لعدم إغناء أموالهم التي كانوا يعوّلون عليها . والصرّ : البرد الشديد ، أصله من الصرير الذي هو الصوت ، فهو : صوت الريح الشديد . وقال الزجاج : صوت لهب النار التي في تلك الريح . ومعنى الآية : مثل نفقة الكافرين في بطلانها ، وذهابها ، وعدم منفعتها ، كمثل زرع أصابه ريح باردة ، أو نار فأحرقته ، أو أهلكته ، فلم ينتفع أصحابه بشيء منه بعد أن كانوا على طمع من نفعه ، وفائدته . وعلى هذا فلا بدّ من تقدير في جانب المشبه به ، فيقال : كمثل زرع أصابته ريح فيها صرّ ، أو مثل إهلاك ما ينفقون ، كمثل إهلاك ريح فيها صرّ أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم { وَمَا ظَلَمَهُمُ الله } أي : المنفقين من الكافرين { ولكن أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بالكفر المانع من قبول النفقة التي أنفقوها ، وتقديم المفعول لرعاية الفواصل لا للتخصيص ؛ لأن الكلام في الفعل باعتبار تعلقه بالفاعل لا بالمفعول .

/خ117