تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَثَلِ رِيحٖ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمٖ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَكَتۡهُۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (117)

الآية 117 وقوله تعالى : { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم } ضرب مثل نفقة الكفار التي أنفقوها بريح { فيها صر أصابت حرث قوم } ذلك ، والله أعلم ، أنهم كانوا ينفقون ، ويعملون جميع الأعمال من عبادة الأصنام والأوثان ، ويقولون : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] ظنوا أن تلك الأعمال والنفقات التي أنفقوها [ في الدنيا ]{[4261]} تنفقهم في الآخرة ، وتقربهم إلى الله ، فأخبر أنها لا تنفع ، فكانت{[4262]} كالريح التي فيها صر وبرد ، ظنوا أن فيها رحمة وشيئا ينفع زروعهم ، وتنمو بها ، فإذا فيها نار أحرقت ، كما طمعوا من أعمالهم ونفقاتهم التي في الدنيا والآخرة{[4263]} قربة وزلفة إليه ، فإذا هي مهلكة لأبدانهم كالريح التي فيها صر كانت مهلكة محرقة لزروعهم وحرثهم ، والله أعلم .

والصر هو البرد الشديد ، وقيل ، الصر الصوت كقوله : { فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها }{[4264]} [ الذاريات : 29 ] وقيل : { مثل ما ينفقون } في الصد عن سبيل الله في قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله : { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا } الآية [ الأنفال : 36 ] أي يتأسون{[4265]} على ما أنفقوا تأسف صاحب الزرع على ما كان أنفق فيه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما ظلمهم الله ولكن أنفسكم يظلمون } والظلم ما ذكرنا ، هو وضع الشيء في غير موضعه ، فهو ، والله أعلم ، [ ما ]{[4266]} قال : هم الذين وضعوا أنفسهم في غير موضعها لا أن [ الله وضع ]{[4267]} أنفسهم ذلك الموضع لأنهم عبدوا غير الله ، ولم يجعلوا أنفسهم خالصين سالمين لله ، فهم الذين ظلموا أنفسهم حين أسلموها لغير الله ، وعبدوا دونه ، فذلك وضعها في غير موضعها ، لأن موضعها هو أن يجعلوها خالصة لله سالمة له ، وقيل : ما ضروا الله بعبادتهم غيره وبكفرهم به ، إنما ضروا أنفسهم إذ لا حاجة له إلى عبادتهم ، والله الموفق .

قال الشيخ [ رحمه الله عليه : في القول ]{[4268]} : تقديم وتأخير ، وأصل ذلك أن الله قد وضع كل نفس الخلقة بموضع العبودة ، فجعلوها عبدة غيره .


[4261]:في الأصل وم: الناس.
[4262]:في الأصل وم: فكان.
[4263]:من م، في الأصل: والآخرة.
[4264]:أدرج بعدها في الأصل وم: وقيل هي الصوت.
[4265]:من م، في الأصل: ينافسون.
[4266]:ساقطة من الأصل وم.
[4267]:في الأصل وم: وضع الله.
[4268]:في الأصل: رحمه الله عليه، في م: رحمه الله.