الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَثَلِ رِيحٖ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمٖ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَكَتۡهُۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (117)

قوله تعالى : " مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر " " ما " تصلح أن تكون مصدرية ، وتصلح أن تكون بمعنى الذي والعائد محذوف ، أي مثل ما ينفقونه . ومعنى " كمثل ريح " كمثل مهب{[3375]} ريح . قال ابن عباس : والصر : البرد الشديد . قيل : أصله من الصرير الذي هو الصوت ، فهو صوت الريح الشديدة . الزجاج : هو صوت لهب النار التي كانت في تلك الريح . وقد تقدم هذا المعنى في البقرة{[3376]} . وفي الحديث : إنه نهى عن الجراد الذي قتله الصر{[3377]} . ومعنى الآية : مثل نفقة الكافرين في بطلانها وذهابها وعدم منفعتها كمثل زرع أصابه ريح باردة أو نار فأحرقته وأهلكته ، فلم ينتفع أصحابه بشيء بعد ما كانوا يرجون فائدته{[3378]} ونفعه . قال الله تعالى : " وما ظلمهم الله " بذلك " ولكن أنفسهم يظلمون " بالكفر والمعصية ومنع حق الله تعالى . وقيل : ظلموا أنفسهم بأن زرعوا في غير وقت الزراعة أو في غير موضعها فأدبهم الله تعالى ؛ لوضعهم الشيء في غير موضعه ، حكاه المهدوي .


[3375]:- في ب و د وهـ: مهلك ريح.
[3376]:- راجع جـ3 ص 319.
[3377]:- الصر في هذا الحديث: البرد.
[3378]:- في ب وهـ ود: عائدته.