فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَثَلِ رِيحٖ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمٖ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَكَتۡهُۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (117)

القول في تأويل قوله : { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته } يعني بذلك جل ثناؤه شبه ما ينفق الذين كفروا أي شبه ما يتصدق به الكافر من ماله فيعطيه من يعطيه على وجه القربة إلى ربه{[1115]} وهو لوحدانية الله جاحد ولمحمد صلى الله عليه وسلم مكذب في أن ذلك غير نافعه مع كفره وأنه مضمحل عند حاجته إليه ذاهب بعد الذي كان يرجو من عائدة نفعه عليه كشبه ريح فيها برد أصابت هذه الريح التي فيها البرد الشديد حرث قوم يعني زرع قوم أملوا إدراكه ورجوا ريعه وعائدة نفعه { ظلموا أنفسهم } يعني أصحاب الزرع عصوا الله وتعدوا حدوده { فأهلكته } يعني : فأهلكت الريح التي فيها الصر زرعهم ذلك بعد الذي كانوا عليه من الأمل ورجاء عائدة نفعه عليهم ، يقول تعالى ذكره : فكذلك فعل بنفقة الكافر وصدقته في حياته حين يلقاه يبطل ثوابها ويخيب رجاءه منها { وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون } . . وما فعل الله بهؤلاء الكفار ما فعل بهم لأن عملهم الذي عملوه لم يكن لله وهم له بالوحدانية دائنون ولأمره متبعون ولرسله مصدقون بل كان ذلك منهم وهم به مشركون ولأمره مخالفون ولرسله مكذبون . . . الكافر هو الظالم نفسه لإكسابها من معصية الله وخلاف أمره ما أوردها به نار جهنم وأصلاها به سعير سقر ] . {[1116]}


[1115]:فإذا بذل في معاندة مولاه سبحانه ومحاولة إطفاء نوره جل علاه فإن الله يعجل له خزيا وندامة مع ما يدخر له من حر السعير والحسرة والملامة مصداقا لوعد ربنا الحق {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}.
[1116]:من جامع البيان..