{ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ في هذه الحياة الدنيا } بيانٌ لكيفية عدمِ إغناءِ أموالِهم التي كانوا يعوِّلون عليها في جلب المنافعِ ودفعِ المضارِّ ويعلِّقون بها أطماعَهم الفارغةَ ، و { مَا } موصولةٌ اسميةٌ حُذف عائدُها أي حالُ ما ينفقه الكفرةُ قربةً أو مفاخرةً وسُمعةً أو المنافقون رياءً وخوفاً وقصتُه العجيبةُ التي تجري مجرى المثل في الغرابة { كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } أي بردٌ شديدٌ فإنه في الأصل مصدرٌ وإن شاع إطلاقُه على الريح الباردةِ كالصَّرْصَر ، وقيل : كلمة في تجريدية كما في قوله تعالى : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب ، الآية 21 ] { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ } بالكفر والمعاصي فباءوا بغضب من الله ، وإنما وُصفوا بذلك لأن الإهلاكَ عن سَخَط أشدُّ وأفظع { فَأَهْلَكَتْهُ } عقوبةً لهم ولم تدَعْ منه أثراً ولا عِثْيَراً والمرادُ تشبيهُ ما أنفقوا في ضياعه وذهابِه بالكلية من غير أن يعودَ إليهم نفعٌ ما بحرْثِ [ قومٍ ] كفارٍ ضربتْه صِرٌّ فاستأصلتْه ولم يبقَ لهم فيه منفعةٌ ما بوجه من الوجوه ، وهو من التشبيه المركبَ الذي مرَّ تفصيلُه في تفسير قولِه تعالى : { كَمَثَلِ الذى استوقد نَاراً } ولذلك لم يبالِ بإيلاء كلمةِ التشبيهِ الريحَ دون الحرثِ ، ويجوز أن يرادَ مثَلُ إهلاكِ ما ينفقون كمثَل إهلاكِ ريحٍ أو مثلُ ما ينفقون كمثَل مهلِكِ ريحٍ وهو الحرثُ وقرئ تنفقون { وَمَا ظَلَمَهُمُ الله } بما بيَّنه من ضياع ما أنفقوا من الأموال { ولكن أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } لما أضاعوها بإنفاقها لا على ما ينبغي ، وتقديمُ المفعولِ لرعاية الفواصلِ لا للتخصيص ، إذ الكلامُ في الفعل باعتبار تعلّقِه بالفاعل لا بالمفعول أي ما ظلمهم الله ولكن ظلموا أنفسَهم ، وصيغةُ المضارعِ للدَّلالة على التجدد والاستمرارِ ، وقد جُوِّز أن يكون المعنى وما ظلم الله تعالى أصحابَ الحرْثِ بإهلاكه ولكنهم ظلموا أنفسَهم بارتكاب ما استحقوا به العقوبةَ ، ويأباه أنه قد مر التعرُّضُ له تصريحاً ، وقرئ ولكنّ بالتشديد على أن أنفسَهم اسمُها ويظلِمون خبرُها والعائدُ محذوفٌ للفاصلة أي ولكنَّ أنفسَهم يظلِمونها ، وأما تقديرُ ضميرِ الشأن فلا سبيلَ إليه لاختصاصه بالشعر ضرورةً كما في قوله : [ الطويل ]
[ وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ] *** ولكنَّ منْ يُبصِر جفونَك يعشقِ{[125]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.