{ 104 - 105 } { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }
يخبر تعالى أنه يوم القيامة يطوي السماوات - على عظمها واتساعها - كما يطوي الكاتب للسجل أي : الورقة المكتوب فيها ، فتنثر نجومها ، ويكور شمسها وقمرها ، وتزول عن أماكنها { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } أي : إعادتنا للخلق ، مثل ابتدائنا لخلقهم ، فكما ابتدأنا خلقهم ، ولم يكونوا شيئا ، كذلك نعيدهم بعد موتهم .
{ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } ننفذ ما وعدنا ، لكمال قدرته ، وأنه لا تمتنع منه الأشياء .
يقول تعالى : هذا كائن يوم القيامة ، { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } كما قال تعالى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الزمر : 67 ] وقد قال البخاري :
حدثنا مُقَدم بن محمد ، حدثني عمي القاسم بن يحيى ، عن عُبَيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الله يقبض يوم القيامة الأرضَين ، وتكون السموات بيمينه " {[19897]} .
انفرد به من هذا الوجه البخاري ، رحمه الله .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحجاج الرَّقِّي ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي الواصل{[19898]} ، عن أبي المليح الأزدي{[19899]} ، عن أبي الجوزاء الأزدي ، عن ابن عباس قال : يطوي الله{[19900]} السموات السبع بما فيها من الخليقة والأرضين السبع بما فيها من الخليقة ، يطوي ذلك كله{[19901]} بيمينه ، يكون ذلك كله في يده بمنزلة خردلة .
وقوله : { كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } ، قيل : المراد بالسجل [ الكتاب . وقيل : المراد بالسجل ]{[19902]} هاهنا : مَلَك من الملائكة .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا يحيى بن يمان ، حدثنا أبو الوفاء الأشجعي ، عن أبيه ، عن ابن عمر في قوله تعالى : { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } ، قال : السجل : مَلَك ، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبها نورًا .
وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كُرَيْب ، عن ابن يمان ، به .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي جعفر{[19903]} محمد بن علي بن الحسين أن السجل ملك .
وقال السدي في هذه الآية : السجل : مَلَك موكل بالصحف ، فإذا مات الإنسان رفع{[19904]} كتابُه إلى السجل فطواه ، ورفعه إلى يوم القيامة .
وقيل : المراد به اسم رجل صحابي ، كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعة ، حدثنا نصر بن علي الجَهْضَميّ ، حدثنا نوح بن قيس ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس : [ { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } ] {[19905]} ، قال : السجل : هو الرجل .
قال نوح : وأخبرني يزيد بن كعب - هو العَوْذي - عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : السجل كاتب{[19906]} للنبي صلى الله عليه وسلم .
وهكذا رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة بن سعيد{[19907]} عن نوح بن قيس ، عن يزيد بن كعب ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، قال : السجل كاتب{[19908]} للنبي صلى الله عليه وسلم{[19909]} .
ورواه ابن جرير عن نصر بن علي الجهضمي ، كما تقدم . ورواه ابن عدي من رواية يحيى بن عمرو بن مالك النُّكْريّ عن أبيه ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس قال : كان للنبي{[19910]} صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى{[19911]} السجل وهو قوله : { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } ، قال : كما يطوى السجل الكتاب ، كذلك نطوي السماء ، ثم قال : وهو غير محفوظ{[19912]} .
وقال الخطيب البغدادي في تاريخه : أنبأنا أبو بكر البَرْقَاني ، أنبأنا محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي ، أنبأنا أحمد بن الحسن الكرخي ، أن حمدان بن سعيد حدثهم ، عن عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : السجلّ : كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم{[19913]} .
وهذا منكر جدًا من حديث نافع عن ابن عمر ، لا يصح أصلا وكذلك ما تقدم عن ابن عباس ، من رواية أبي داود وغيره ، لا يصح أيضًا . وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه - وإن كان في سنن أبي داود - منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المِزِّي ، فَسَح الله في عمره ، ونَسَأ في أجله ، وختم له بصالح عمله ، وقد أفردت لهذا الحديث جزءًا على حدة{[19914]} ، ولله الحمد . وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير للإنكار على هذا الحديث ، ورده أتم رد ، وقال : لا يُعَرف في الصحابة أحد{[19915]} اسمه السجِل ، وكُتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم معروفون ، وليس فيهم أحد اسمه السجل ، وصَدَق رحمه الله في ذلك ، وهو من أقوى الأدلة على نَكَارة هذا الحديث . وأما مَنْ ذكر في أسماء الصحابة هذا ، فإنما اعتمد على هذا الحديث ، لا على غيره ، والله أعلم . والصحيح عن ابن عباس أن السجل هي الصحيفة ، قاله علي بن أبي طلحة والعوفي ، عنه . ونص على ذلك مجاهد ، وقتادة ، وغير واحد . واختاره ابن جرير ؛ لأنه المعروف في اللغة ، فعلى هذا يكون معنى الكلام : { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } أي : على [ هذا ]{[19916]} الكتاب ، بمعنى المكتوب ، كقوله : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } [ الصافات : 103 ] ، أي : على الجبين ، وله نظائر في اللغة ، والله أعلم .
وقوله : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } يعني : هذا كائن لا محالة ، يوم يعيد الله الخلائق خلقًا جديدًا ، كما بدأهم هو القادر على إعادتهم{[19917]} ، وذلك واجب الوقوع ، لأنه من جملة وعد الله الذي لا يخلف ولا يبدل ، وهو القادر على ذلك . ولهذا قال : { إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع وابن جعفر المعنى{[19918]} ، قالا{[19919]} : حدثنا شعبة ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال : " إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراة غُرْلا كما بدأنا أول خلق نعيده ، وعدًا علينا إنا كنا فاعلين " ؛ وذكر تمام الحديث ، أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة . ورواه{[19920]} البخاري عند هذه الآية في كتابه{[19921]} .
وقد روى ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن عائشة عن النبي{[19922]} صلى الله عليه وسلم ، نحو ذلك .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } قال : نهلك كل شيء ، كما كان أول مرة .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ نَطْوِي السّمَآءَ كَطَيّ السّجِلّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ } .
يقول تعالى ذكره : لا يحزنهم الفزع الأكبر ، يوم نطوي السماء . ف «يوم » صلة من «يحزنهم » .
واختلف أهل التأويل في معنى السجلّ الذي ذكره الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هو اسم ملَك من الملائكة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا أبو الوفاء الأشجعيّ ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، في قوله : يَوْمَ نَطْوِي السّماءَ كَطَيّ السّجلّ للْكِتَابِ قال : السجِلّ : مَلَك ، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبها نورا .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : سمع السديّ يقول ، في قوله : يَوْمَ نَطْوِي السّماءَ كَطَيّ السّجِلّ قال : السجلّ : ملَك .
وقال آخرون : السجل : رجل كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا نصر بن عليّ ، قال : حدثنا نوح بن قيس ، قال : حدثنا عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس في هذه الاَية : يَوْمَ نَطْوِي السّماءَ كَطَيّ السّجِلّ لِلْكُتُبِ قال : كان ابن عباس يقول : هو الرجل .
قال : حدثنا نوح بن قيس ، قال : حدثنا يزيد بن كعب ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، قال : السجلّ : كاتب كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل هو الصحيفة التي يُكتب فيها . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : كَطَيّ السّجِلّ للْكِتابِ يقول : كطيّ الصحيفة على الِكتاب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ نَطْوِي السّماءَ كَطَيّ السّجِلّ للْكِتابِ يقول : كطيّ الصحف .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : السّجلّ : الصحيفة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : يَوْمَ نَطْوِي السّماءَ كَطَيّ السّجِلّ لِلْكِتابِ قال : السجل : الصحيفة .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال : السجلّ في هذا الموضع الصحيفة لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، ولا يعرف لنبينا صلى الله عليه وسلم كاتب كان اسمه السجلّ ، ولا في الملائكة مَلك ذلك اسمه .
فإن قال قائل : وكيف تَطْوي الصحيفة بالكتاب إن كان السجلّ صحيفة ؟ قيل : ليس المعنى كذلك ، وإنما معناه : يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ على ما فيه من الكتاب ثم جعل «نطوِي » مصدرا ، فقيل : كَطَيّ السّجِلّ لِلْكِتابِ واللام في قوله «للكتاب » بمعنى «على » .
واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار ، سوى أبي جعفر القارىء : يَوْمَ نَطْوِي السّماءَ بالنون . وقرأ ذلك أبو جعفر : «يَوْم تُطْوَي السّماءُ » بالتاء وضمها ، على وجه ما لم يُسمّ فاعله .
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار ، بالنون ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه وشذوذ ما خالفه . وأما السّجلّ فإنه في قراءة جميعهم بتشديد اللام . وأما الكتاب ، فإن قرّاء أهل المدينة وبعض أهل الكوفة والبصرة قرءوه بالتوحيد : «كطيّ السجلّ للكتاب » ، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : للْكُتُبِ على الجماع .
وأولى القراءتين عندنا في ذلك بالصواب : قراءة من قرأه على التوحيد للكتاب لما ذكرنا من معناه ، فإِن المراد منه : كطيّ السجلّ على ما فيه مكتوب . فلا وجه إذ كان ذلك معناه لجميع الكتب إلا وجه نتبعه من معروف كلام العرب ، وعند قوله : كَطَيّ السّجِلّ انقضاء الخبر عن صلة قوله : لا يَحْزُنهُمُ الْفَزَعُ الأْكْبَرُ ، ثم ابتدأ الخبر عما الله فاعل بخلقه يومئذ فقال تعالى ذكره : كمَا بَدَأْنا أوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ فالكاف التي في قوله : «كمَا » من صلة «نعيد » ، تقدّمت قبلها ومعنى الكلام : نعيد الخلق عُراة حُفاة غُرْلاً يوم القيامة ، كما بدأناهم أوّل مرّة في حال خلقناهم في بطون أمهَاتهم ، على اختلاف من أهل التأويل في تأويل ذلك .
وبالذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل ، وبه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك اخترت القول به على غيره . ذكر من قال ذلك والأثر الذي جاء فيه :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ قال : حُفاة عُراة غُرْلاً .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : أوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ قال : حُفاة غُلْفا . قال ابن جُرَيج أخبرني إبراهيم بن ميسرة ، أنه سمع مجاهدا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحدى نسائه : «يَأْتُونَهُ حُفاةً عُرَاةً غُلْفا » فاسْتَترَتْ بِكُمّ دِرْعِها ، وَقالَتْ وَاسَوأتاهُ قال ابن جُرَيج : أخبرت أنها عائشة قالت : يا نبيّ الله ، لا يحتشمُ الناس بعضهم بعضا ؟ قال : «لكُلّ امُرِىءٍ يَوْمِئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، قال : ثني المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يُحْشَرُ النّاسُ حُفاةً عُرَاةً غُرْلاً ، فَأوّلَ مَنْ يُكْسَى إبراهِيمُ » ثم قرأ : كمَا بَدأْنا أوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُه وَعْدا عَلَيْنا إنّا كُنّا فاعِلِينَ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا إسحاق بن يوسف ، قال : حدثنا سفيان ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة » فذكره نحوه .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن المغيرة بن النعمان النَخَعِيّ ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم » فذكره نحوه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، قال : حدثنا المغيرة بن النعمان النخَعيّ ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، نحوه .
حدثنا عيسى بن يوسف بن الطباع أبو يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : «إنّكُمْ مُلاقُو اللّهِ مُشاةً غُرْلاً » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن عائشة ، قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي عجوز من بني عامر ، فقال : «مَنْ هَذه العَجُوزُ يا عائِشَةُ ؟ » فقلت : إحدى خالاتي . فقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة فقال : «إنّ الجَنّةَ لا يَدْخُلُها العَجَزةُ » . قالت : فأخذ العجوزَ ما أخذها ، فقال : «إنّ اللّهَ يُنْشِئُهُنّ خَلْقا غيرَ خَلْقِهِنّ » ، ثم قال : «يُحْشَرُونَ حُفاةً عُرَاةً غُلْقا » . فقالت : حاش لله من ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بَلى إنّ اللّهَ قالَ : كمَا بَدأْنا أوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدا عَلَيْنا . . . إلى آخر الاَية ، فأوّلُ مَنْ يُكْسَى إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الله » .
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عطاء ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : يجمع الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عراة ، كما خُلقوا أوّل يوم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني عباد بن العوّام ، عن هلال بن حبان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، ( عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال : «يحشر الناس يوم القيامة حُفاة عراة مشاة غرلاً » . قلت : يا أبا عبد الله ما الغُرْل ؟ قال : الغُلْف . فقال بعض أزواجه : يا رسول الله ، أينظر بعضنا إلى بعض إلى عورته ؟ فقال «لِكُلّ امْرىءٍ منهم يَوْمَئِذٍ ما يَشْغَلُهُ عَن النّظَر إلى عَوْرَة أخِيهِ » . قال هلال : قال سعيد بن جُبير : وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرَادَى كمَا خَلَقْناكُمْ أوّلَ مَرّةٍ قال : كيوم ولدته أمه ، يردّ عليه كل شيءٍ انتقص منه مثل يوم وُلد .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : كما كنا ولا شيء غيرنا قبل أن نخلق شيئا ، كذلك نهلك الأشياء فنعيدها فانية ، حتى لا يكون شيء سوانا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : كمَا بَدأْنا أوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ . . . الاَية ، قال : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة .
وقوله : وَعْدا عَلَيْنا يقول : وعدناكم ذلك وعدا حقّا علينا أن نوفي بما وعدنا ، إنا كنا فاعلي ما وعدناكم من ذلك أيها الناس ، لأنه قد سبق في حكمنا وقضائنا أن نفعله ، على يقين بأن ذلك كائن ، واستعدوا وتأهبوا .
قرأت فرقة «نطوي » بنون العظمة ، وقرأت فرقة «يَطوي السماء » بياء مفتوحة على معنى يطوي الله تعالى ، وقرأ فرقة «تُطوى السماءُ » بتاء مضمومة ورفع «السماءُ » على ما لم يسم فاعله ، واختلف الناس في { السجل } فقالت فرقة هو ملك يطوي الصحف ، وقالت فرقة { السجل } رجل كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ع وهذا كله وما شاكله ضعيف ، وقالت فرقة { السجل } الصحيفة التي يكتب فيها ، والمعنى { كطي السجل } أي كما يطوي السجل من أجل الكتاب الذي فيه ، فالمصدر مضاف إلى المفعول ويحتمل أن يكون المصدر مضافاً إلى الفاعل ، أي كما يطوي السجل الكتاب الذي فيه ، فكأنه قال { يوم نطوي السماء } كالهيئة التي فيها طي السجل للكتاب ، ففي التشبيه تجوز ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «السّجْل » بشد السين وسكون الجيم وتخفيف اللام وفتح أبو السمال السين فقرأ «السَّجل » وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير «السُّجُل » بضم السين وشدها وضم الجيم ، وقرأ الجمهور «للكتاب » ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «للكتب » وقوله تعالى : { كما بدأنا أول خلق نعيده } يحتمل معنيين : أحدهما أن يكون خبراً عن البعث أي كما اخترعنا الخلق أولاً على غير مثال ذلك كذلك ننشئهم تارة أخرى فنبعثهم من القبور ، والثاني أن يكون خبراً عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا ، ويؤيد هذا التأويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده »{[8285]} وقوله تعالى : { كما بدأنا } الكاف متعلقة بقوله { نعيده } ، وقوله { إنا كنا فاعلين } تأكيد للأمر بمعنى أن الأمر واجب في ذلك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} يعني: كطي الصحيفة فيها الكتاب. ثم قال سبحانه: {كما بدأنا أول خلق نعيده} وذلك أن كفار مكة أقسموا بالله جهد أيمانهم... {لا يبعث الله من يموت} [النحل:38] فأكذبهم الله، عز وجل، فقال سبحانه بلى وعدا عليه حقا: {كما بدأنا أول خلق نعيده} يقول: هكذا نعيد خلقهم في الآخرة، كما خلقناهم في الدنيا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: لا يحزنهم الفزع الأكبر، يوم نطوي السماء...
["كطي السجل للكتب"]... السجلّ في هذا الموضع: الصحيفة، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب...
فإن قال قائل: وكيف تَطْوي الصحيفة بالكتاب إن كان السجلّ صحيفة؟ قيل: ليس المعنى كذلك، وإنما معناه: يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ على ما فيه من الكتاب ثم جعل «نطوِي» مصدرا، فقيل: كَطَيّ السّجِلّ لِلْكِتابِ واللام في قوله «للكتاب» بمعنى «على»...
وعند قوله: "كَطَيّ السّجِلّ "انقضاء الخبر عن صلة قوله: "لا يَحْزُنهُمُ الْفَزَعُ الأْكْبَرُ"، ثم ابتدأ الخبر عما الله فاعل بخلقه يومئذ فقال تعالى ذكره: "كمَا بَدَأْنا أوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ "فالكاف التي في قوله: «كمَا» من صلة «نعيد»، تقدّمت قبلها، ومعنى الكلام: نعيد الخلق عُراة حُفاة غُرْلاً يوم القيامة، كما بدأناهم أوّل مرّة في حال خلقناهم في بطون أمهَاتهم، على اختلاف من أهل التأويل في تأويل ذلك.
وبالذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل، وبه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك اخترت القول به على غيره...
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا سفيان، قال: ثني المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يُحْشَرُ النّاسُ حُفاةً عُرَاةً غُرْلاً، فَأوّلَ مَنْ يُكْسَى إبراهِيمُ» ثم قرأ: "كمَا بَدأْنا أوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُه وَعْدا عَلَيْنا إنّا كُنّا فاعِلِينَ"...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: كما كنا ولا شيء غيرنا قبل أن نخلق شيئا، كذلك نهلك الأشياء فنعيدها فانية، حتى لا يكون شيء سوانا...
وقوله: "وَعْدا عَلَيْنا" يقول: وعدناكم ذلك وعدا حقّا علينا أن نوفي بما وعدنا، إنا كنا فاعلي ما وعدناكم من ذلك أيها الناس، لأنه قد سبق في حكمنا وقضائنا أن نفعله، على يقين بأن ذلك كائن، واستعدوا وتأهبوا.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
والسجلّ: اسم مشتقّ من المساجلة وهي المكاتبة، وأصلها من السجل وهو الدلو، يقال: سجلت الرجل إذا نزعت دلواً ونزع دلواً ثم استعيرت فسميت المكاتبة والمراجعة مساجلة،...
والطي في هذه الآية يحتمل معنيين: أحدهما: الدرج الذي هو ضدّ النشر، قال الله سبحانه {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]. والثاني: الإخفاء والتعمية والمحو والطمس؛ لأنّ الله سبحانه يمحو رسومها ويكدر نجومها، قال الله سبحانه وتعالى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} [التكوير: 1-2] تقول العرب: اطو عن فلان هذا الحديث أي استره وأخفه...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
(كما بدأنا أول خلق نعيده) أي: قدرتنا على إعادة الخلق كقدرتنا على إنشائه. وقوله: (إنا كنا فاعلين) أي: قادرين عليه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: وما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت: أوّله إيجاده عن العدم، فكما أوجده أولا عن عدم، يعيده ثانياً عن عدم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت هذه الأفعال على غاية من الأهوال، تتشوف بها النفس إلى معرفة اليوم الذي تكون فيه، قال تعالى شافياً لعيّ هذا السؤال، زيادة في تهويل ذلك اليوم لمن له وعي: {يوم} أي تكون هذه الأشياء يوم {نطوي} أي بما لنا من العظمة الباهرة {السماء} طياً فتكون كأنها لم تكن؛ ثم صور طيّها بما يعرفون فقال مشبهاً للمصدر الذي دل عليه الفعل: {كطيّ السجل} أي الكتاب [لعل الأصوب: الكاتب] الذي له العلو والقدرة على مكتوبه {للكتب} أي القرطاس الذي يكتبه ويرسله إلى أحد، وإنما قلت ذلك لأن السجل يطلق على الكتاب وعلى الكاتب -قاله في القاموس، واختير للفاعل لفظ السجل لما مضى في سورة هود من أن هذه المادة تدور على العلو، وللمطوي لفظ الكتاب الدال على الجمع، لكونه لازماً للطي، مع أن ذلك أنسب لما جعل كل منهما مثالاً له، وقراءة المفرد لمقابلة لفظ السماء، والجمع للدلالة على أن المراد الجنس، فجميع السماوات تطوى...
ولما كان هذا عند من لا يعلم أعظم استبعاداً من استبعادهم إعادة الموتى، قال دالاًّ عليه مقرباً له إلى العقول بتشبيه الإعادة بالإبداء، في تناول القدرة لهما على السواء، فإنه كما أخرجه بعلم من خزائن قدرته كذلك يرده بعلمه في خزائن قدرته، كما يصنع في نور السراج ونحوه إذا أطفئ، فكذا في غيره من جميع الأشياء {كما} أي مثل ما {بدأنا} أي بما عُلم لنا من العظمة {أول خلق} أي تقدير أيّ تقدير كان، نكره ليفيد التفصيل واحداً واحداً، بمعنى أن كل خلق جل أو قل سواء في هذا الحكم، وهو أنا {نعيده} أي بتلك العظمة بعينها، غير ناسين له ولا غافلين ولا عاجزين عنه، فما كان متضامّ الأجزاء فمددناه نضمه بعد امتداده، وما كان ميتاً فأحييناه نميته بعد حياته، وما كان حياً فأمتناه نحييه بعد موته، ونعيد منهم من التراب من بدأناه منه، والحاصل أن من أوجد شيئاً لا يبعد عليه التصرف فيه كيفما كان...
ثم أعلم أن ذلك أمر لابد منه بالتعبير بالمصدر تأكيداً لما أنكروه وبالغوا في إنكاره فقال: {وعداً} وأكد بقوله: {علينا} وزاده بقوله: {إنا كنا} أي أزلاً وأبداً، على حالة لا تحول {فاعلين} أي شأننا أن نفعل ما نريد، لا كلفة علينا في شيء من ذلك بوجه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة مستأنفة قصد منها إعادة ذكر البعث والاستدلال على وقوعه وإمكانِه إبطالاً لإحالة المشركين وقوعه بعلة أن الأجساد التي يدّعي بعثها قد انتابها الفناء العظيم، {وقالوا أإذا كنا تراباً وعظاماً أإنا لفي خلق جديد} [السجدة: 10] والمناسبة في هذا الانتقال هو ما جرى من ذكر الحشر والعقاب والثواب من قوله تعالى {لهم فيها زفير} [الأنبياء: 100] وقوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: 101] الآية...
وأصل الجملة: نعيد الخلق كما بدأنا أولَ خلق يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب وعْداً علينا...
فليس قوله {يوم نطوي السماء} متعلقاً بما قبله من قوله تعالى: {وتتلقاهم الملائكة} [الأنبياء: 103].
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
والمتبادر أن طي السماء وتمثيلها بالورقة التي تطوى للكتابة إنما قصد به توكيد قدرة الله، فالناس يستعظمون ما يرونه من مشاهد الكون، وبخاصة السماء ويستعظمون البعث بعد الموت، فكأنما أريد أن يقال لهم بمثل: إن ما تستعظمونه ليس هو بالنسبة إلى قدرة الله إلا شيئا تافها وإن يمثل لهم بمثل يستطيعون فهمه. وهذا المعنى قد تكرر في مواضع كثيرة في صدد القيامة وأحداثها بأساليب متنوعة. والتنويع دليل على صحة ما نقرره إن شاء الله، وقصد تقرير قدرة الله على ذلك بارز في آية في سورة الزمر فيها عبارة مماثلة وهي: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون 67}.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَآءَ} فتغيب وتختفي حتى لا يراها أحد، وتبقى في علم الغيب عند الله، {كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} وهو الصحيفة التي تشتمل على الكتب من خلال ما تعبر عنه من الألفاظ والمعاني التي تسجل فيها فتغيب عندما يغلق السجل، فلا يراها أحد. وذلك هو المظهر الحيّ لقدرة الله، في ما يوحي به من سيطرته المطلقة على الكون كله، فيتصرف به كما يشاء، فلا ينتقص من قدرته شيء، في ما يألفه الناس وما لا يألفونه...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وفي هذه الآية تشبيه لطيف لطيّ سجل عالم الوجود عند انتهاء الدنيا، ففي الوقت الحاضر فإنّ هذا السجل مفتوح، وتقرأ كلّ رسومه وخطوطه، وكلّ منها في مكان معيّن، أمّا إذا صدر الأمر الإلهي بقيام القيامة فإنّ هذا السجل العظيم سيطوى بكلّ رسومه وخطوطه. طبعاً، لا يعني طي العالم الفناء كما يتصوّر البعض، بل يعني تحطّمه وجمعه، وبتعبير آخر: فإنّ شكل العالم وهيئته ستضطرب ويقع بعضه على بعض، لكن لا تفنى مواده، وهذه الحقيقة تستفاد من العبيرات المختلفة في آيات المعاد، وخاصةً من آيات رجوع الإنسان من العظام النخرة،... ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ المراد من رجوع الناس إلى الحالة الأُولى، هو أنّهم يرجعون حفاة عراة مرّة أُخرى كما كانوا في بداية الخلق. ولكن لا شكّ أنّ هذا لا يعني انحصار معنى الآية في ذلك واقتصاره عليه، بل إنّه أحد صور رجوع الخلق إلى الصورة الأُولى...