تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

{ 5-8 } { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

لما ذكر تعالى منته على هذه الأمة ، الذين ابتعث فيهم النبي الأمي ، وما خصهم الله به من المزايا والمناقب ، التي لا يلحقهم فيها أحد وهم الأمة الأمية الذين فاقوا الأولين والآخرين ، حتى أهل الكتاب ، الذين يزعمون أنهم العلماء الربانيون والأحبار المتقدمون ، ذكر أن الذين حملهم الله التوراة من اليهود وكذا النصارى ، وأمرهم أن يتعلموها ، ويعملوا بما فيها{[1095]} ، وانهم لم يحملوها ولم يقوموا بما حملوا به ، أنهم لا فضيلة لهم ، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم ، فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره ؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك ؟ أم حظه منها حملها فقط ؟ فهذا مثل علماء اليهود{[1096]}  الذين لم يعملوا بما في التوراة ، الذي من أجله وأعظمه الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، والبشارة به ، والإيمان بما جاء به من القرآن ، فهل استفاد من هذا وصفه من التوراة إلا الخيبة والخسران وإقامة الحجة عليه ؟ فهذا المثل مطابق لأحوالهم .

بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صدق رسولنا وصدق ما جاء به .

{ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } أي : لا يرشدهم إلى مصالحهم ، ما دام الظلم لهم وصفًا ، والعناد لهم نعتًا .


[1095]:- في ب: ويعملوا بها.
[1096]:- في ب: علماء أهل الكتاب.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

يقول تعالى ذامًّا لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ، فلم يعملوا بها ، مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا ، أي : كمثل الحمار إذا حمل كتبا لا يدري ما فيها ، فهو يحملها حملا حسيا{[28815]} ولا يدري ما عليه . وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه ، حفظوه لفظا ولم يفهموه{[28816]} ولا عملوا بمقتضاه ، بل أولوه وحرفوه وبدلوه ، فهم أسوأ حالا من الحمير ؛ لأن الحمار لا فهمَ له ، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها ؛ ولهذا قال في الآية الأخرى : { أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [ الأعراف : 179 ] وقال هاهنا : { بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }

وقال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا ابن نُمَير ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ، والذي يقول له " أنصت " ، ليس له جمعة " {[28817]}


[28815]:- (4) في أ: "حسنًا".
[28816]:- (5) في م: "ولم يتفهموه".
[28817]:- (6) المسند (1/230) وقال الهيثمي في المجمع (2/184): "فيه مجالد بن سعيد وقد ضعفه الناس ووثقه النسائي في رواية".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُواْ التّوْرَاةَ ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : مثل الذين أوتوا التوراة من اليهود والنصارى ، فحملوا العمل بها ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوها يقول : ثم لم يعملوا بما فيها ، وكذّبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أمروا بالإيمان به فيها واتباعه والتصديق به كَمَثَلِ الْحِمارِ يحمِلُ أسْفارا يقول : كمثل الحمار يحمل على ظهره كتبا من كتب العلم ، لا ينتفع بها ، ولا يعقل ما فيها ، فكلك الذين أوتوا التوراة التي فيها بيان أمر محمد صلى الله عليه وسلم مثلهم إذا لم ينتفعوا بما فيها ، كمثل الحمار الذي يحمل أسفارا فيها علم ، فهو لا يعقلها ولا ينتفع بها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، في قوله : يَحْمِلُ أسْفارا قال : يحمل كتبا لا يدري ما فيها ، ولايعقلها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُوا التّوْراة ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا قال : يحمل كتابا لا يدري ماذا عليه ، ولا ماذا فيه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا قال : كمثل الحمار الذي يحمل كتبا ، لا يدري ما على ظهره .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا كتبا ، والكتاب بالنبطية يسمى سِفْرا ضرب الله هذا مثلاً للذين أعطوا التوراة ثم كفروا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُوا التّوْراةَ ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا والأسفار : الكتب ، فجعل الله مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يتبع ما فيه ، كمثل الحمار يحمل كتاب الله الثقيل ، لا يدري ما فيه ، ثم قال : بِئْسَ مَثَلُ القَوْم الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِ اللّهِ . . . الاَية .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا قال : الأسفارُ : التوراة التي يحملها الحمار على ظهره ، كما تحمل المصاحف على الدواب ، كمثل الرجل يسافر فيحمل مصحفه ، قال : فلا ينتفع الحمارُ بها حين يحملها على ظهره ، كذلك لم ينتفع هؤلاء بها حين لم يعلموا بها وقد أوتوها ، كما لم ينتفع بها هذا وهي على ظهره .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ عن ابن عباس في قوله كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا يقول : كتبا . والأسفار : جمع سفر ، وهي الكتاب العظام .

وقوله : بِئْسَ مثلُ القَوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِ اللّهِ يقول : بئس هذا المثل ، مثل القوم الذين كذّبوا بآيات الله ، يعني بأدلته وحججه واللّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ يقول تعالى ذكره : والله لا يوفّق القوم الذين ظلموا أنفسهم ، فكفروا بآيات ربهم .