{ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }
ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة وغير الممكنة . فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء ، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجردا لأن هذا هو الحسد بعينه ، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها . ولأنه يقتضي السخط على قدر الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب . وإنما المحمود أمران : أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية ، ويسأل الله تعالى من فضله ، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه . ولهذا قال تعالى : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا } أي : من أعمالهم المنتجة للمطلوب . { وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ } فكل منهم لا يناله غير ما كسبه وتعب فيه . { وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ } أي : من جميع مصالحكم في الدين والدنيا . فهذا كمال العبد وعنوان سعادته لا من يترك العمل ، أو يتكل على نفسه غير مفتقر لربه ، أو يجمع بين الأمرين فإن هذا مخذول خاسر .
وقوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } فيعطي من يعلمه أهلا لذلك ، ويمنع من يعلمه غير مستحق .
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، يغزو الرجال ولا نغزو ، ولنا نصف الميراث . فأنزل الله عز وجل : { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ }
ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر ، عن سفيان ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، عن أمّ سلمة أنها قالت : قلت : يا رسول الله . . . فذكره ، وقال : غريب{[7384]} ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، أن أم سلمة قالت . . .
ورواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير وابن مَرْدُويه ، والحاكم في مستدركه ، من حديث الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا نقاتل فنستشهد ، ولا نقطع الميراث ! فنزلت : { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ } ثم نزلت : { أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى }{[7385]} [ آل عمران : 195 ] .
ثم قال ابن أبي حاتم : وكذا روى سفيان بن عيينة ، يعني عن ابن أبي نجيح بهذا اللفظ . وروى يحيى القطان ووكيع بن الجراح ، عن الثوري ، وعن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله . . . وروي عن مقاتل بن حَيّان وخُصَيف نحوُ ذلك .
وروى ابن جرير من حديث ابن جريج ، عن عكرمة ومجاهد أنهما قالا أنزلت في أم سلمة .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن شيخ من أهل مكة قال : نزلت هذه الآية في قول النساء : ليتنا الرجال فنجاهد كما يجاهدون ونغزو في سبيل الله عز وجل .
وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثني أحمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبي ، حدثنا الأشعث بن إسحاق ، عن جعفر - يعني ابن أبي المغيرة - عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في ] قوله[ {[7386]} { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ } قال : أتت امرأةٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وشهادة امرأتين برجل ، فنحن{[7387]} في العمل هكذا ، إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة . فأنزل الله هذه الآية : { وَلا تَتَمَنَّوْا } فإنه عدل مني ، وأنا صنعته .
وقال السدي : قوله : في الآية { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } فإن الرجال قالوا : نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء ، كما لنا في السهام سهمان . وقالت النساء : نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الرجال الشهداء ، فإنا لا نستطيع أن نقاتل ، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا فأبى الله ذلك ، ولكن قال لهم : سلوني من فضلي قال : ليس بعرض الدنيا .
وقد روي عن قتادة نحو ذلك . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } قال{[7388]} ولا يتمنى الرجل فيقول : " ليت لو أن لي مال فلان وأهله ! " فنهى الله عن ذلك ، ولكن يسأل الله من فضله .
وكذا قال محمد بن سيرين والحسن والضحاك وعطاء نحو ذلك{[7389]} وهو الظاهر من الآية ولا يرد على هذا ما ثبت في الصحيح : " لا حَسَد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسَلَّطَه على هَلَكَتِهِ في الحق ، فيقول رجل : لو أن لي مثل ما لفلان لعَمِلْتُ مثله . فهما في الأجر سواء " {[7390]} فإن هذا شيء غير ما نهت الآية عنه ، وذلك أن الحديث حَضَّ على تمني مثل نعمة هذا ، والآية نهت عن تمني عين نعمة هذا ، فقال : { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } أي : في الأمور الدنيوية ، وكذا الدينية أيضا لحديث أم سلمة ، وابن عباس . وهكذا قال عطاء بن أبي رباح : نزلت في النهي عن تمني ما لفلان ، وفي تمني النساء أن يكن رجالا فيغزون . رواه ابن جرير .
ثم قال : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ } أي : كل له جزاء على عمله بحسبه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . وهو{[7391]} قول ابن جرير .
وقيل : المراد بذلك في الميراث ، أي : كل يرث بحسبه . رواه الترمذي{[7392]} عن ابن عباس :
ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم فقال : { وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ } ] أي[ {[7393]} لا تتمنوا ما فضل{[7394]} به بعضكم على بعض ، فإن هذا أمر محتوم ، والتمني لا يجدي شيئًا ، ولكن سلوني من فضلي أعطكم ؛ فإني كريم وهاب .
وقد روى الترمذي ، وابن مردويه من حديث حماد بن واقد : سمعت إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلُوا الله من فَضْلِه ؛ فإن{[7395]} الله يحب أن يسأل وإن أفضل العبادة انتظار الفرج " .
ثم قال الترمذي : كذا رواه حماد بن واقد ، وليس بالحافظ ، ورواه أبو نُعَيم ، عن إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن رجل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح{[7396]}
وكذا رواه ابن مردويه من حديث وَكِيع ، عن إسرائيل . ثم رواه من حديث قيس بن الربيع ، عن حكيم بن جُبَير ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله : " سَلُوا الله من فَضْلِه ، فإن الله{[7397]} يحب أن يُسأل ، وإن أحبَّ عباده إليه الذي يُحب الفرج " {[7398]} .
ثم قال : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } أي : هو عليم بمن يستحق الدنيا فيعطيه منها ، وبمن يستحق الفقر فيفقره ، وعليم بمن يستحق الآخرة فيقيضه{[7399]} لأعمالها ، وبمن يستحق الخذلان فيخذله عن تعاطي الخير وأسبابه ؛ ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.