تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ} (27)

{ 27 } { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ }

يخبر تعالى أنه يثبت عباده المؤمنين ، أي : الذين قاموا بما عليهم من إيمان القلب التام ، الذي يستلزم أعمال الجوارح ويثمرها ، فيثبتهم الله في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين ، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومراداتها .

وفي الآخرة عند الموت بالثبات على الدين الإسلامي والخاتمة الحسنة ، وفي القبر عند سؤال الملكين ، للجواب الصحيح ، إذا قيل للميت " من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ " هداهم للجواب الصحيح بأن يقول المؤمن : " الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي "

{ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ } عن الصواب في الدنيا والآخرة ، وما ظلمهم الله ولكنهم ظلموا أنفسهم ، وفي هذه الآية دلالة على فتنة القبر وعذابه ، ونعيمه ، كما تواترت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة ، وصفتها ، ونعيم القبر وعذابه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ} (27)

وفي ظل الشجرة الثابتة ، التي يشارك التعبير في تصوير معنى الثبات وجوه ، فيرسمها : أصلها ثابت مستقر في الأرض ، وفرعها سامق ذاهب في الفضاء على مد البصر ، قائم أمام العين يوحي بالقوة والثبات .

في ظل الشجرة الثابتة مثلا للكلمة الطيبة : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) . . وفي ظل الشجرة الخبيثة المجتثة من فوق الأرض ما لها من قرار ولا ثبات : ( ويضل الله الظالمين ) . . فتتناسق ظلال التعبير وظلال المعاني كلها في السياق !

يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة بكلمة الإيمان المستقرة في الضمائر ، الثابتة في الفطر ، المثمرة بالعمل الصالح المتجدد الباقي في الحياة . ويثبتهم بكلمات القرآن وكلمات الرسول ؛ وبوعده للحق بالنصر في الدنيا ، والفوز في الآخرة . . وكلها كلمات ثابتة صادقة حقة ، لا تتخلف ولا تتفرق بها السبل ، ولا يمس أصحابها قلق ولا حيرة ولا اضطراب .

ويضل الله الظالمين بظلمهم وشركهم [ والظلم يكثر استعماله في السياق القرآني بمعنى الشرك ويغلب ] وبعدهم عن النور الهادي ، واضطرابهم في تيه الظلمات والأوهام والخرافات واتباعهم مناهج وشرائع من الهوى لا من اختيار الله . . يضلهم وفق سنته التي تنتهي . بمن يظلم ويعمى عن النور ويخضع للهوى إلى الضلال والتيه والشرود .

( ويفعل الله ما يشاء ) . .

بإرادته المطلقة ، التي تختار الناموس ، فلا تتقيد به ولكنها ترضاه . حتى تقتضي الحكمة تبديله فيتبدل في نطاق المشيئة التي لا تقف لها قوة ، ولا يقوم في طريقها عائق ؛ والتي يتم كل أمر في الوجود وفق ما تشاء .

وبهذه الخاتمة يتم التعقيب على القصة الكبرى للرسالات والدعوات . وقد استغرقت الشطر الأول والأكبر من السورة المسماة باسم إبراهيم أبي الأنبياء ، والشجرة الظليلة الوارفة المثمرة خير الثمرات ، والكلمة الطيبة المتجددة في الأجيال المتعاقبة ، تحتوي دائما على الحقيقة الكبرى . . حقيقة الرسالة الواحدة التي لا تتبدل ، وحقيقة الدعوة الواحدة التي لا تتغير ، وحقيقة التوحيد لله الواحد القهار .

/خ27

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ} (27)

{ القول الثابت في الحياة الدنيا } ، كلمة الإخلاص والنجاة من النار : لا إله إلا الله ، والإقرار بالنبوة .

وهذه الآية تعم العالم من لدن آدم عليه السلام إلى يوم القيامة ، وقال طاوس وقتادة وجمهور العلماء : { الحياة الدنيا } هي مدة حياة الإنسان . { وفي الآخرة } هي وقت سؤاله في قبره . وقال البراء بن عازب وجماعة { في الحياة الدنيا } هي وقت سؤاله في قبره -ورواه البراء عن النبي عليه السلام في لفظ متأول{[7073]} .

قال القاضي أبو محمد : ووجه القول لأن ذلك في مدة وجود الدنيا .

وقوله { في الآخرة } هو يوم القيامة عند العرض .

قال القاضي أبو محمد : والأول أحسن ، ورجحه الطبري .

و { الظالمين } في هذه الآية ، الكافرين ، بدليل أنه عادل بهم المؤمنين ، وعادل التثبيت بالإضلال ، وقوله : { ويفعل الله ما يشاء } تقرير لهذا التقسيم المتقدم ، كأن امرأً رأى التقسيم فطلب في نفسه علته ، فقيل له : { ويفعل الله ما يشاء } بحق الملك .

وفي هذه الآية رد على القدرية .

وذكر الطبري في صفة مساءلة العبد في قبره أحاديث ، منها ما وقع في الصحيح . وهي من عقائد الدين ، وأنكرت ذلك المعتزلة . ولم تقل بأن العبد يسأل في قبره ، وجماعة السنة تقول : إن الله يخلق له في قبره إدراكات وتحصيلاً ، إما بحياة كالمتعارفة ، وإما بحضور النفس وإن لم تتلبس بالجسد كالعرف ، كل هذا جائز في قدرة الله تعالى ، غير أن في الأحاديث : «إنه يسمع خفق النعال » ، ومنها : «إنه يرى الضوء كأن الشمس دنت للغروب » ، وفيها : «إنه ليراجع » ، وفيها : «فيعاد روحه إلى جسده » ، وهذا كله يتضمن الحياة - فسبحان رب هذه القدرة .


[7073]:الحديث جاء موقوفا في بعض طرق مسلم عن البراء، قال القرطبي: والصحيح فيه الرفع كما في صحيح مسلم، وكتاب النسائي، وأبي داود، وابن ماجه، وغيرهم، وذكر البخاري بسنده عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقعد المؤمن في قبره أتاه آت، ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}، وقيل: معنى يثبت: يديمهم الله على القول الثابت، ومنه قول عبد الله بن رواحة: يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصرا وليس في الحديث ما يفيد أن الحياة الدنيا هي في القبر، وأن الآخرة هي يوم القيامة، وليس فيه أيضا ما يفيد العكس، ولهذا قال ابن عطية: "في لفظ متأول".