الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ} (27)

أخرج الطيالسي والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «المسلم إذا سئل في القبر ، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فذلك قوله سبحانه { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } » .

وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب رضي الله عنه في قول الله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قال : ذلك في القبر ، إن كان صالحاً وفق ، وإن كان لا خير فيه وجد أثلة .

وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة في المصنف ، وأحمد بن حنبل وهناد بن السري في الزهد ، وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في كتاب عذاب القبر ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : « خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ، ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله - وكأن على رؤوسنا الطير - وفي يده عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً ، ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر . ثم يجيء ملك الموت ، ثم يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس المطمئنة ، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان . قال : فتخرج . . . تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، وإن كنتم ترون غير ذلك ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين ، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ . . . فيقولون : فلان ابن فلان ، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له فيفتح لهم ، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى تنتهي به إلى السماء السابعة ، فيقول الله : اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى . فتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله . فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإِسلام . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله . فيقولان له : وما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدّقت . فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي ، فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة ، فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك . . . هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول له : من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير . فيقول له : أنا عملك الصالح . فيقول : رب أقم الساعة . . . رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي .

قال : وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح . فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط من الله وغضب . فتفرق في جسده ، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها . فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح . ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض . فيصعدون بها . . . فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة . إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ ! . . . فيقولون : فلان ابن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا . حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتح فلا يفتح له .

ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تفتح لهم أبواب السماء } [ الأعراف : 40 ] فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى . فتطرح روحه طرحاً .

ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } [ الحج : 31 ] فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان ، فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه . . . هاه ؟ ! . . . لا أدري . فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه . . . هاه ؟ ! . . . لا أدري ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول : هاه . . . هاه . . . لا أدري . فينادي مناد من السماء ، أن كذب عبدي ، فافرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار . فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوءك . . . هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول : من أنت ؟ ! . . . فوجهك الوجه يجيء بالشر . فيقول : أنا عملك الخبيث . فيقول : رب لا تقم الساعة .

وأخرج ابن أبي شيبة عن البراء بن عازب رضي الله عنه { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا } قال : التثبيت في الحياة الدنيا ، إذا جاء الملكان إلى الرجل والقبر فقالا له : من ربك ؟ قال : ربي الله .

قالا : وما دينك ؟ قال : ديني الإِسلام . قالا : ومن نبيك ؟ قال : نبيي محمد فذلك التثبيت في الحياة الدنيا .

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قال : «{ في الآخرة } القبر » .

وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قال : المخاطبة في القبر : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ . . .

وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : « قال النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قال : هذا في القبر » .

وأخرج البيهقي في عذاب القبر عن عائشة رضي الله عنها قالت : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بي يفتن أهل القبور وفيه نزلت { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } .

وأخرج البزار عن عائشة قالت : " قلت يا رسول الله ، تبتلى هذه الأمة في قبورها ، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة ؟ . . . قال : «{ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } » .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ، «وذكر قبض روح المؤمن : فيأتيه آت فيقول : من ربك ؟ فيقول : الله . فيقول : وما دينك ؟ فيقول : الإِسلام . فيقول : ومن نبيك ؟ فيقول : محمد . ثم يسأل الثانية فيقول مثل ذلك ، ثم يسأل الثالثة ويؤخذ أخذاً شديداً فيقول مثل ذلك . فذلك قول الله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في عذاب القبر ، عن ابن عباس قال : إن المؤمن إذا حضره الموت ، شهدته الملائكة فسلموا عليه وبشروه بالجنة ، فإذا مات ، مشوا معه في جنازته ثم صلوا عليه مع الناس ، فإذا دفن ، أجلس في قبره فيقال له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله . فيقال له من رسولك ؟ فيقول : محمد . فيقال له : ما شهادتك ؟ فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .

فذلك قوله { يثبت الله الذين آمنوا . . . } الآية . فيوسع له في قبره مد بصره . وأما الكافر ، فتنزل الملائكة فيبسطون أيديهم - والبسط هو الضرب - يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت ، فإذا دخل قبره أقعد فقيل له من ربك ؟ فلم يرجع إليهم شيئاً وأنساه الله ذكر ذلك . وإذا قيل له : من الرسول الذي بعث إليكم ؟ لم يهتد له ولم يرجع إليهم شيئاً ، فذلك قوله { ويضل الله الظالمين } .

وأخرج ابن جرير والطبراني والبيهقي في عذاب القبر ، عن ابن مسعود قال : إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره ، فيقال له : من ربك ، وما دينك ، ومن نبيك ؟ فيقول : ربي الله ، وديني الإِسلام ، ونبيي محمد .

فيوسع له في قبره ويفرج له فيه . ثم قرأ { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت . . . } الآية .

وإن الكافر إذا دخل قبره أجلس فقيل له : من ربك ، وما دينك ، ومن نبيك ؟ فيقول : لا أدري . فيضيق عليه قبره ويعذب فيه . ثم قرأ ابن مسعود { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا } [ طه : 124 ] .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن منده والطبراني في الأوسط ، عن أبي قتادة الأنصاري قال : إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره ، فيقال له : من ربك ؟ فيقول : الله . فيقال له : من نبيك ؟ فيقول : محمد بن عبد الله . فيقال له ذلك ثلاث مرات ، ثم يفتح له باب إلى النار فيقال له : انظر إلى منزلك لو زغت . ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له : انظر إلى منزلك في الجنة أن ثبتّ .

وإذا مات الكافر ، أجلس في قبر فيقال : من ربك ؟ من نبيك ؟ . . . فيقول : لا أدري . . . كنت أسمع الناس يقولون . فيقال له : لا دريت . ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له : انظر إلى منزلك لو ثَبَتّ ، ثم يفتح له باب إلى النار فيقال له : انظر إلى منزلك إذ زغت . فذلك قوله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا } قال : لا إله إلا الله { وفي الآخرة } قال : المسألة في القبر .

وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في ذكر الموت ، وابن أبي عاصم في السنة ، والبزار وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في عذاب القبر بسند صحيح ، عن أبي سعيد الخدري قال : « شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة فقال : يا أيها الناس ، إن هذه الأمة تبتلى في قبورها . . . فإذا الإِنسان دفن فتفرق عنه أصحابه ، جاءه ملك في يده مطراق فأقعده قال : ما تقول في هذا الرجل ؟ فإن كان مؤمناً قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . فيقول له : صدقت . ثم يفتح له باب إلى النار فيقول له : هذا كان منزلك لو كفرت بربك ، فأما إذ آمنت فهذا منزلك . فيفتح له باب إلى الجنة ، فيريد أن ينهض إليه فيقول له : اسكن . ويفسح له في قبره .

وإن كان كافراً أو منافقاً ، قيل له : ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري . . . سمعت الناس يقولون شيئاً . فيقول : لا دريت ولا تليت ولا اهتديت . ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول : هذا منزلك لو آمنت بربك ، فأما إذ كفرت به ، فإن الله أبدلك منه هذا ، ويفتح له باب إلى النار ، ثم يقمعه مقمعة بالمطراق يسمعها خلق الله كلها غير الثقلين . فقال بعض القوم : يا رسول الله ، ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا هبل عن ذلك .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «{ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } » .

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : «شهدنا جنازة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ من دفنها وانصرف الناس قال : إنه الآن يسمع خفق نعالكم ، أتاه منكر ونكير . . . عيناهما مثل قدور النحاس ، وأنيابهما مثل صياصي البقر ، وأصواتهما مثل الرعد ، فيجلسانه فيسألانه ما كان يعبد ، ومن نبيه . فإن كان ممن يعبد الله ، قال : كنت أعبد الله ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم . . . جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه . فذلك قوله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } فيقال له : على اليقين حييت وعليه مت وعليه تبعث . ثم يفتح له باب إلى الجنة ويوسع له في حفرته . وإن كان من أهل الشك ، قال : لا أدري . . . سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته . فيقال له : على الشك حييت وعليه مت وعليه تبعث . ثم يفتح له باب إلى النار ويسلط عليه عقارب وتنانين ، لو نفخ أحدهم في الدنيا ما أنبتت شيئاً تنهشه ، وتؤمر الأرض فتنضم عليه حتى تختلف أضلاعه » .

وأخرج ابن أبي شيبة وهناد في الزهد ، وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والطبراني في الأوسط ، والحاكم وابن مردويه والبيهقي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده ، إن الميت إذا وضع في قبره ، إنه ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه ، فإذا كان مؤمناً ، كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه والصوم عن شماله . وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس من قبل رجليه . فيؤتى من قبل رأسه ، فتقول الصلاة : ليس قبلي مدخل . فيؤتى عن يمينه ، فتقول الزكاة : ليس قبلي مدخل . ويؤتى من قبل شماله ، فيقول الصوم : ليس قبلي مدخل . ثم يؤتى من قبل رجليه ، فيقول فعل الخيرات والمعروف والإِحسان إلى الناس : ليس قبلي مدخل فيقال له : اجلس . فيجلس . وقد مثلت له الشمس قد قربت للغروب ، فيقال : أخبرنا عما نسألك . فيقول : دعني حتى أصلي . فيقال : إنك ستفعل ، فأخبرنا عما نسألك . فيقول : عم تسألوني ؟ فيقال له : ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم ؟ - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - فيقول : أشهد أنه رسول الله ، جاءنا بالبينات من عند ربنا فصدقْنا واتبعْنا . فيقال له : صدقت ، على هذا حييت وعلى هذا مت وعليه تبعث إن شاء الله . ويفسح له في قبره مد بصره . فذلك قول الله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ويقال : افتحوا له باباً إلى النار ، فيقال : هذا كان منزلك لو عصيت الله . فيزداد غبطة وسروراً ، فيعاد الجسد إلى ما بدا منه من التراب ويجعل روحه في النسيم الطيب ، وهي طير خضر تعلق في شجر الجنة .

وأما الكافر ، فيؤتى في قبره من قبل رأسه ، فلا يوجد شيء . فيؤتى من قبل رجليه ، فلا يوجد شيء . فيجلس خائفاً مرعوباً . فيقال له : ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم ، وما تشهد به ؟ فلا يهتدي لاسمه . فيقال : محمد صلى الله عليه وسلم . فيقول : سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت كما قالوا : فيقال له : صدقت . على هذا حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله . ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه . فذلك قوله تعالى { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا } [ طه : 124 ] فيقال : افتحوا له باباً إلى الجنة . فيفتح له باب إلى الجنة . فيقال : هذا كان منزلك وما أعد الله لك لو كنت أطعته ، فيزداد حسرة وثبوراً . ثم يقال : افتحوا له باباً إلى النار فيفتح له بابٌ إليها فيقال له : هذا منزلك وما أعد الله لك ، فيزداد حسرة وثبوراً » .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم » { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قال : ذاك إذا قيل في القبر : من ربك ، وما دينك ؟ فيقول : ربي الله ، وديني الإِسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، جاءنا بالبينات والهدى من عند الله فآمنت به وصدقت . فيقال له : صدقت ، على هذا عشت وعليه مت وعليه تبعث .

وأخرج ابن جرير عن طاوس في قوله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت . . . } الآية . قال : هي فتنة القبر .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن المسيب بن رافع رضي الله عنه في قوله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت . . . . } الآية . قال : نزلت في صاحب القبر .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في الآية قال : نزلت في الميت الذي يسأل في قبره عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد { يثبت الله الذين آمنوا . . . } الآية . قال : هذا في القبر ومخاطبته .

وأخرج ابن جرير وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن طاوس رضي الله عنه { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا } قال : لا إله إلا الله { وفي الآخرة } قال : المسألة في القبر .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قال : أما الحياة الدنيا ، فيثبتهم بالخير والعمل الصالح . وأما قوله { وفي الآخرة } ففي القبر .

وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { يثبت الله الذين آمنوا } قال : «هو المؤمن في قبره ، عند محنته يأتيه ممتحناه فيقولان : من ربك وما دينك ومن نبيك ؟ ؟ ؟ . . . فيقول : الله ربي وديني الإِسلام . فيقولان : ثبتك الله لما يحب ويرضى . ويفسحان له في قبره مد البصر ، ويفتحان له باباً إلى الجنة ويقولان : نم قرير العين نومة الشاب النائم الآمن في خير مقيل . وفيه نزلت { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً } أما الكافر ، فإنهما يقولان : من ربك ، وما دينك ، ومن نبيك ؟ فيقول : لا أدري . . . فيقولان : لا دريت ولا اهتديت . فيضربانه بسوط من النار يذعر لها كل دابة ما خلا الجن والإِنس ، ثم يفتحان له باباً إلى النار ويضيق عليه قبره حتى يخرج دماغه من بين أظفاره ولحمه » .

وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا وضع الميت في قبره ، جاءه ملكان فسألاه فقالا : كيف تقول في هذا الرجل الذي كان بين أظهركم الذي يقال له محمد ؟ فلقنه الله الثبات ، وثبات القبر خمس : أن يقول العبد : ربي الله ، وديني الإِسلام . . . ونبيي محمد ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . ثم قالا له : اسكن ، فإنك عشت مؤمناً ومت مؤمناً وتبعث مؤمناً . ثم أرياه منزله من الجنة يتلألأ بنور عرش الرحمن » .

وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن مردويه من طريق قتادة رضي الله عنه عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن العبد إذا وضع في قبر وتولى عنه أصحابه : إنه ليسمع قرع نعالهم ، يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ - زاد ابن مردويه : - الذي كان بين أظهركم الذي يقال له محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله . فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار ، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : فيراهما جميعاً » قال قتادة رضي الله عنه : وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعاً ويملأ عليه خضراً . وأما المنافق والكافر ، فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري ، كنت أقول كما يقول الناس . فيقال : لا دريت ولا تليت . ويضرب بمطراق من حديد ضربة ، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين .

وأخرج أحمد وأبو داود وابن مردويه والبيهقي في عذاب القبر ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ؛ وإن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فسأله : ما كنت تعبد ؟ فإن الله هداه قال : كنت أعبد الله . فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : هو عبد الله ورسوله . فما يسأل عن شيء بعدها ، فينطلق إلى بيت كان له في النار فيقال له : هذا بيتك كان لك في النار ، ولكن الله عصمك ورحمك فأبدلك بيتاً في الجنة . فيقول : دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي ! . . . . فيقال له : اسكن . وإن الكافر إذا وضع في قبره ، أتاه ملك فينتهره فيقول له : ما كنت تعبد ؟ فيقول : لا أدري . فيقول له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : كنت أقول ما يقول الناس . فيضربونه بمطراق من حديد بين أذنيه ، فيصيح صيحة يسمعها الخلق إلا الثقلين » .

وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط ، والبيهقي من طريق ابن الزبير رضي الله عنه ، أنه سأل جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن فتاني القبر ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فإذا أدخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه ، جاءه ملك شديد الانتهار فيقول له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول المؤمن : أقول أنه رسول الله وعبده . فيقول له الملك : انظر إلى مقعدك الذي كان من النار ، قد أنجاك الله منه وأبدلك بمقعدك الذي ترى من النار مقعدك الذي ترى من الجنة . فيراهما كليهما ، فيقول المؤمن : دعوني أبشر أهلي . فيقال له : اسكن .

وأما المنافق ، فيقعد إذا تولى عند أهله ، فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري . . . . أقول ما يقول الناس . فيقال له : لا دريت . . . هذا مقعدك الذي كان لك من الجنة ، قد أبدلك الله مكانه مقعدك من النار » قال جابر رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يبعث كل عبد في القبر على ما مات ، المؤمن على إيمانه ، والمنافق على نفاقه » .

وأخرج ابن أبي عاصم في السنة وابن مردويه والبيهقي من طريق أبي سفيان ، عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا وضع المؤمن في قبره ، أتاه ملكان فانتهراه ، فقام يهب كما يهب النائم ، فيقال له : من ربك ؟ فيقول : الله ربي والإِسلام ديني ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي . فينادي مناد ، أن صدق عبدي . فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة فيقول : دعوني أخبر أهلي . فيقال له : اسكن » .

وأخرج البيهقي في كتاب عذاب القبر ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كيف أنت يا عمر إذا انتهى بك إلى الأرض ، فحفر لك ثلاثة أذرع وشبر في ذراع وشبر ، ثم أتاك منكر ونكير أسودان يجران شعرهما ، كأن أصواتهما الرعد القاصف ، وكأن أعينهما البرق الخاطف ، يحفران الأرض بأنيابهما فأجلساك فزعاً فتلتلاك وتوهلاك ؟ ؟ ؟ . . . فقال : يا رسول الله ، وأنا يومئذ على ما أنا عليه ؟ قال : نعم . قال : أكفيكهما بإذن الله يا رسول الله » .

وأخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الميت ليسمع خفق نعالهم حين يولون ، ثم يجلس فيقال له : من ربك ؟ فيقول : الله ربي . ثم يقال له : ما دينك ؟ فيقول : الإِسلام . ثم يقال له : من نبيك ؟ فيقول : محمد . فيقال : وما علمك ؟ فيقول : عرفته وآمنت به وصدقت بما جاء به من الكتاب . ثم يفسح له في قبره مد البصر ، ويجعل روحه مع أرواح المؤمنين » .

وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : اسم الملكين اللذين يأتيان في القبر ، منكر ونكير .

وأخرج أحمد وابن الدنيا والطبراني والآجري في الشريعة وابن عدي ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتّاني القبر ، فقال عمر رضي الله عنه : أترد إلينا عقولنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، كهيئتكم اليوم . فقال عمر بفيه الحجر » .

وأخرج ابن أبي داود في البعث والحاكم في التاريخ والبيهقي في عذاب القبر ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أنت إذا كنت في أربعة أذرع في ذراعين ، ورأيت منكراً ونكيراً ؟ قلت : يا رسول الله ، وما منكر ونكير ؟ ! . . . قال : فتّانا القبر ، يبحثان الأرض بأنيابهما ، ويطآن في أشعارهما أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف . . . . معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يطيقوا رفعها ، هي أيسر عليهما من عصاي هذه ، فامتحناك ، فإن تعاييت أو تلويت ، ضرباك بها ضربة تصير بها رماداً . قلت : يا رسول الله ، وأنا على حالي هذه ؟ قال : نعم . قلت : إذاً أكفيكهما » .

وأخرج الترمذي وحسنه وابن أبي الدنيا وابن أبي عاصم والآجري والبيهقي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا قبر الميت ، أتاه ملكان أسودان أزرقان ، يقال لأحدهما منكر ، والآخر نكير . فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول ما يقول : هو عبد الله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا . ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين ، ثم ينور له فيه ، فيقال له : نم . فيقول : أرجع إلى أهلي فأخبرهم . فيقولون : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك .

فإن كان منافقاً قال : سمعت الناس يقولون فقلت مثله ، لا أدري . فيقولون : قد كنا نعلم ، أنك كنت تقول ذلك . فيقال للأرض : التئمي عليه ، فتختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك » .

وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه : «كيف أنت إذا رأيت منكراً ونكيراً ؟ قال : وما منكر ونكير ؟ ! قال : فتّانا القبر ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف ، يطآن في أشعارهما ويحفران بأنيابهما . . . معهما عصاً من حديد ، لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها » .

وأخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور ، فيقال ما علمكم بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو الموقن ، فيقول : هو محمد رسول الله ، جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا . فيقال له : قد علمنا إن كنت لمؤمناً ، ثم صالحاً .

وأما المنافق أو المرتاب ، فيقول : لا أدري . . . سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت .

وأخرج أحمد عن أسماء رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا أدخل الإِنسان قبره ، فإن كان مؤمناً أحف به عمله : الصلاة والصيام . فيأتيه الملك من نحو الصلاة فترده ، ومن نحو الصيام فيرده فيناديه : اجلس . فيجلس ، فيقول له : ما تقول في هذا الرجل ؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم - قال من ؟ قال محمد ، قال أشهد أنه رسول الله . فيقول : وما يدريك . . . ؟ أدركته ؟ قال : أشهد أنه رسول الله . فيقول : على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث .

وإن كان فاجراً أو كافراً ، جاءه الملك وليس بينه وبينه شيء يرده ، فأجلسه وقال : ما تقول في هذا الرجل ؟ قال : أي رجل ؟ قال : محمد . فيقول : والله ما أدري . . . سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته . فيقول له الملك : على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث . ويسلط عليه دابة في قبره معها سوط ثمرته جمرة مثل عرف البعير ، يضربه ما شاء الله . . . لا تسمع صوته فترحمه » .

وأخرج أحمد والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت : «جاءت يهودية فاستطعمت على بابي ، فقالت : أطعموني أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر ، فلم أزل أحبسها حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : يا رسول الله ، ما تقول هذه اليهودية . . . ! ؟ قال : وما تقول ؟ قلت : تقول أعاذكم الله من فتنة الدجال ، ومن فتنة عذاب القبر . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع يديه مدّاً يستعيذ بالله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر ، ثم قال : أما فتنة الدجال ، فإنه لم يكن نبي إلا قد حذر أمته ، وسأحذركموه بحديث لم يحدثه نبي أمته ، إنه أعور والله ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤه كل مؤمن .

وأما فتنة القبر ، فبي تفتنون وعني تُسْألون ، فإذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ولا مشغوف ، ثم يقال له : فيم كنت ؟ فيقول : في الإِسلام ، فيقال : ما هذا الرجل الذي كان فيكم ؟ فيقول : محمد رسول الله ، جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه . فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً ، فيقال له : انظر إلى ما وقاك الله . ثم يفرج له فرجة إلى الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال : هذا مقعدك منها . ويقال : على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله .

وإذا كان الرجل السوء ، جلس في قبره فزعاً مشغوفاً ، فيقال له : فيم كنت ؟ فيقول : لا أدري . فيقال : ما هذا الرجل الذي كان فيكم ؟ فيقول : سمعت الناس يقولون قولاً فقلت كما قالوا ، فيفرج له فرجة قبل الجنة ، فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال انظر إلى ما صرف الله عنك ، ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً ، ويقال : هذا مقعدك منها على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله .

وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية ، عن طاوس رضي الله عنه قال : إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعاً ، فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام .

وأخرج ابن جرير في مصنفه ، عن الحارث بن أبي الحرث ، عن عبيد بن عمير قال : يفتن رجلان : مؤمن ومنافق ، فأما المؤمن ، فيفتن سبعاً . وأما المنافق ، فيفتن أربعين صباحاً .

وأخرج ابن شاهين في السنة ، عن راشد بن سعد رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « تعلموا حجتكم فإنكم مسؤولون ، حتى إنه كان أهل البيت من الأنصار يحضر الرجل منهم الموت فيوصونه ، والغلام إذا عقل فيقولون له : إذا سألوك : من ربك ؟ فقل : الله ربي . وما دينك ؟ فقل : الإِسلام ديني . ومن نبيك ؟ فقل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم » .

وأخرج أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقف على قبر رجل من أصحابه حين فرغ منه فقال له : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم نزل بك وأنت خير منزل به ، جافِ الأرض عن جنبيه ، وافتح أبواب السماء لروحه ، واقبله منك بقبول حسن ، وثبّت عند المسائل منطقه » .

وأخرج أبو داود والحاكم والبيهقي ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة عند قبر ، وصاحبه يدفن فقال : استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يُسْأل » .

وأخرج سعيد بن منصور ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على القبر بعدما يسوّى عليه ، فيقول : «اللهم نزل بك صاحبنا وخلف الدنيا خلف ظهره ، اللهم ثبّت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة به » .

وأخرج الطبراني وابن منده ، عن أبي أمامة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا مات أحد من إخوانكم فسوّيتم التراب عليه ، فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل : يا فلان ، ابن فلانة ، فإنه يسمعه ولا يجيب ، ثم يقول : يا فلان ابن فلانة ، فإنه يستوي قاعداً ، ثم يقول : يا فلان ابن فلانة ، فإنه يقول : أرشدنا رحمك الله ، ولكن لا يشعرون ، فليقل : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، رضيت بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، وبالقرآن إماماً . فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول : انطلق بنا ما يقعدنا عند من لقن حجته ، فيكون حجيجه دونهما . قال رجل : يا رسول الله ، فإن لم يعرف أمه قال : ينسبه إلى حواء ، يا فلان ابن حواء » .

وأخرج ابن منده عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : إذا مت فدفنتموني ، فليقم إنسان عند رأسي فليقل : يا صدي بن عجلان ، اذكر ما كنت عليه في الدنيا ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

وأخرج سعيد بن منصور عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحكيم بن عمير ، قالوا : إذا سوّي على الميت قبره وانصرف الناس عنه ، كان يستحب أن يقال للميت عند قبره ، يا فلان ، قل لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان ، قل ربي الله وديني الإِسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم ينصرف .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن عمرو بن مرة رضي الله عنه قال : كانوا يستحبون إذا وضع الميت في اللحد أن يقال : اللهم أعذه من الشيطان الرجيم .

وأخرج الحكيم الترمذي ، عن سفيان الثوري رضي الله عنه قال : إذا سئل الميت من ربك ، تراءى له الشيطان في صورة ، فيشير إلى نفسه أني أنا ربك .

وأخرج النسائي عن راشد بن سعد رضي الله عنه ، أن رجلاً قال : « يا رسول الله ، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد . . ! ؟ فقال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة » .

وأخرج ابن مردويه ، عن أنس رضي الله عنه قال : «خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الأشعريين سبع حجج ، فقال : إن لهذا علينا حقاً ، ادعوه فليرفع إلينا حاجته ، فدعوه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارفع إلينا حاجتك . فقال : يا رسول الله ، دعني حتى أصبح فأستخير الله . فلما أصبح ، دعاه فقال : يا رسول الله ، أسألك الشفاعة يوم القيامة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قال : فأعني على نفسك بكثرة السجود » .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن ميمون بن أبي شبيب رضي الله عنه قال : أردت الجمعة في زمان الحجاج ، فتهيأت للذهاب وقلت : أين أذهب أصلي ؟ خلف هذا ؟ فقلت : مرة اذهب ومرة لا أذهب ، فناداني مناد من جهة البيت { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } [ الجمعة : 9 ] قال : وجلست مرة أكتب كتاباً ، فعرض لي شيء إن أنا كتبته زين كتابي وكنت قد كذبت ؛ وإن أنا تركته كان في كتابي بعض القبح وكنت قد صدقت . فقلت : مرة أكتبه ، وقلت : مرة لا أكتبه . فأجمع رأيي على تركه فتركته ، فناداني مناد من جانب البيت { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } الآية .