تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ} (27)

ثم ذكر المؤمنين بالتوحيد في حياتهم وبعد موتهم ، فقال سبحانه : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } ، وهو التوحيد ، { في الحياة الدنيا } ، ثم قال : { و } يثبتهم { وفي الآخرة } ، يعني في قبره في أمر منكر ونكير بالتوحيد ، وذلك أن المؤمن يدخل عليه ملكان أحدهما منكر والآخر نكير ، فيجلسانه في القبر ، فيسألانه : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن رسولك ؟ فيقول : ربي الله عز وجل ، وديني الإسلام ، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسولي ، فيقولان له : وقيت وهديت ، ثم يقولان : اللهم إن عبدك أرضاك فأرضه ، فذلك قوله سبحانه : { وفي الآخرة } ، أي يثبت الله قول الذين آمنوا .

ثم ذكر الكافر في قبره حين يدخل عليه منكر ونكير ، يطآن في أشعارهما ، ويحفران الأرض بأنيابهما ، وينالان الأرض بأيديهما ، أعينهما كالبرق الخاطف ، وأصواتهما كالرعد القاصف ، ومعهما مرزبة من حديد ، لو اجتمع عليها أهل منى أن يقلوها ما أقلوها ، فيقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان له : لا دريت ولا تليت ، ثم يقولان : اللهم إن عبدك قد أسخطك فاسخط عليه .

فيضربانه بتلك المرزبة ضربة ينهشم كل عضو في جسده ويلتهب قبره نارا ، ويصيح صيحة يسمعها كل شيء غير الثقلين ، فيلعنونه ، فذلك قوله عز وجل : { ويلعنهم اللاعنون } [ البقرة :159 ] حتى إن شاة القصاب والشفرة على حلقها لا يهمها ما بها ، فتقول : لعن الله هذا ، كان يحبس عنا الرزق بسببه ، هذا لمن يضله الله عز وجل عن التوحيد ، فذلك قوله : { ويضل الله الظالمين } ، يعني المشركين ، حيث لا يوفق لهم ذلك حين يسأل في قبره : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ { ويفعل الله ما يشاء } [ آية :27 ] فيهما ، فمشيئته أن يثيب المؤمنين ويضل الكافرين .