لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ} (27)

بالقول الثابت وهو البقاء على الاستقامة ، وترك العِوَج .

ويقال القول الثابت هو الشهادة الضرورية عن صفاء العقيدة وخلوص السريرة .

ويقال القول الثابت هو بنطق القلوب لا بذكر اللسان .

ويقال القول الثابت هو قول الله العزيز القديم الذي لا يجوز عليه الفناء والبطول فهو بالثبوت أَوْلَى من قول العبد ؛ لأن قولَ العبد أَثَرٌ ، والآثار لا يجوز عليها الثبوت والبقاء وإنما يكون باقياً حُكْماَ ثباتُ العبد لقول الله ؛ وهو حكمه بالإيمان وأخباره أنه مؤمن وتسميته بالإيمان . وقول الله لا يزول ؛ ففي الدنيا يثبتُه حتى لا بِدْعَةَ تعتريه ، وفي الآخرة يثبتُه برسله من الملائكة ، وفي القيام يثبتُه عند السؤال والمحاسبة وفي الجنة يثبتُه لأنه لا يزول حمد العبد لله ، ومعرفته به ، وإذا تنوعت عليه الخواطر ورفع إليه- سبحانه - دعاءَه ثَبَّتَه حتى لا يحيد عن النهج المستقيم والدين القويم .

ويقال إذا دَعَتْه الوساوسُ إلى متابعةِ الشيطان ، وصيَّرتْه الهواجسُ إلى موافقة النَّفْس فالحق يثبته على موافقة رضاه .

ويقال إذا دَعَتْه دواعي المحبة من كل جنس كمحبة الدنيا ، أو محبة الأولاد والأقارب والأموال والأحباب أعانه الحقُّ على اختيار النجاة منها ، فيترك الجميع ، ولا يتَحسَّسُ إلا دواعيَ الحقِّ - سبحانه - كما قيل :

إذا ما دَعَتْنا حاجةٌ كي تردَّنا *** أبيْنا وقلنا : مطلبُ الحقِّ أَوَّلا