فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ} (27)

{ يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا بالقول الثابت } أي : بالحجة الواضحة ، وهي الكلمة الطيبة المتقدّم ذكرها ، وقد ثبت في الصحيح أنها كلمة الشهادة : ( شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ) وذلك إذا قعد المؤمن في قبره . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فذلك قوله تعالى : { يُثَبّتُ الله الذين آمَنُوا بالقول الثابت } ) وقيل : معنى تثبيت الله لهم : هو أن يدوموا على القول الثابت ، ومنه قول عبد الله بن رواحة :

يثبت الله ما آتاك من حسن *** تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا

ومعنى { في الحياة الدنيا } أنهم يستمرّون على القول الثابت في الحياة الدنيا . قال جماعة : المراد بالحياة الدنيا في هذه الآية : القبر ؛ لأن الموتى في الدنيا حتى يبعثوا . ومعنى { وَفِي الآخرة } وقت الحساب . وقيل : المراد بالحياة الدنيا : وقت المساءلة في القبر ، وفي الآخرة : وقت المساءلة يوم القيامة : والمراد : أنهم إذا سئلوا عن معتقدهم ودينهم أوضحوا ذلك بالقول الثابت من دون تلعثم ولا تردّد ولا جهل ، كما يقول : من لم يوفق : لا أدري ، فيقال له : لا دريت ولا تليت { وَيُضِلُّ الله الظالمين } أي : يضلهم عن حجتهم التي هي القول الثابت فلا يقدرون على التكلم بها في قبورهم ، ولا عند الحساب ، كما أضلهم عن اتباع الحق في الدنيا . قيل : والمراد بالظالمين هنا : الكفرة . وقيل : كل من ظلم نفسه ولو بمجرد الإعراض عن البينات الواضحة ، فإنه لا يثبت في مواقف الفتن ، ولا يهتدي إلى الحق .

ثم ذكر سبحانه أنه يفعل ما يشاء من التثبيت والخذلان لا رادّ لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل . قال الفراء : أي لا تنكر له قدرة ولا يسأل عما يفعل ، والإظهار في محل الإضمار في الموضعين لتربية المهابة كما قيل : والله أعلم .

/خ27