تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنَّا مِنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّجِعۡتُ إِلَىٰ رَبِّيٓ إِنَّ لِي عِندَهُۥ لَلۡحُسۡنَىٰۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ} (50)

ثم قال تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ } أي : الإنسان الذي يسأم من دعاء الخير ، وإن مسه الشر فيئوس قنوط { رَحْمَةً مِنَّا } أي : بعد ذلك الشر الذي أصابه ، بأن عافاه الله من مرضه ، أو أغناه من فقره ، فإنه لا يشكر الله تعالى ، بل يبغى ، ويطغى ، ويقول : { هَذَا لِي } أي : أتاني لأني له أهل ، وأنا مستحق له { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } وهذا إنكار منه للبعث ، وكفر للنعمة والرحمة ، التي أذاقها الله له . { وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى } أي : على تقدير إتيان الساعة ، وأني سأرجع إلى ربي ، إن لي عنده ، للحسنى ، فكما حصلت لي النعمة في الدنيا ، فإنها ستحصل ]لي[ في الآخرة وهذا من أعظم الجراءة والقول على الله بلا علم ، فلهذا توعده بقوله : { فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي : شديد جدًا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنَّا مِنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّجِعۡتُ إِلَىٰ رَبِّيٓ إِنَّ لِي عِندَهُۥ لَلۡحُسۡنَىٰۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ} (50)

37

وهذا الإنسان إذا أذاقه الله منه رحمة بعد ذلك الضر ، استخفته النعمة فنسي الشكر ؛ واستطاره الرخاء فغفل عن مصدره . وقال : هذا لي . نلته باستحقاقي وهو دائم علي ! ونسي الآخرة واستبعد أن تكون ( وما أظن الساعة قائمة ) . . وانتفخ في عين نفسه فراح يتألى على الله ، ويحسب لنفسه مقاماً عنده ليس له ، وهو ينكر الآخرة فيكفر بالله . ومع هذا يظن أنه لو رجع إليه كانت له وجاهته عنده ! ( ولئن رجعت إلى ربي إن لي

عنده للحسنى ) ! وهو غرور . . عندئذ يجيء التهديد في موضعه لهذا الغرور :

( فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ، ولنذيقنهم من عذاب غليظ ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنَّا مِنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّجِعۡتُ إِلَىٰ رَبِّيٓ إِنَّ لِي عِندَهُۥ لَلۡحُسۡنَىٰۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ} (50)

وقوله تعالى : { ليقولن هذا لي } أي بعلمي وبما سعيت ، ولا يرى أن النعم إنما هي بتفضل من الله تعالى : { وما أظن الساعة قائمة } قول بيّن فيه الجحد والكفر . ثم يقول هذا الكافر ، ولئن كان ثم رجوع كما تقولون ، لتكونن لي حال ترضيني من غنى ومال وبنين ، فتوعدهم الله تعالى بأنه سيعرفهم بأعمالهم الخبيثة مع إذاقتهم العذاب عليها ، فهذا عذاب وخزي . وغلظ العذاب شدته وصعوبته . وقال الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : للكافر أمنيتان ، أما في دنياه فهذه : { إن لي عنده للحسنى } . وأما في آخرته : { فيا ليتني كنت تراباً }{[10097]} .

قال القاضي أبو محمد : والأماني على الله تعالى وترك الجد في الطاعة مذموم لكل أحد ، فقد قال عليه السلام : الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني{[10098]} .


[10097]:من الآية (40) من سورة (النبأ).
[10098]:أخرجه الترمذي في القيامة، وابن ماجه في الزهد، وأحمد في مسنده 4 – 134، عن شداد بن أوس رضي الله عنه.