{ 46 - 49 } { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ }
أي : وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار حجاب يقال له : { الأَعْرَاف } لا من الجنة ولا من النار ، يشرف على الدارين ، وينظر مِنْ عليه حالُ الفريقين ، وعلى هذا الحجاب رجال يعرفون كلا من أهل الجنة والنار بسيماهم ، أي : علاماتهم ، التي بها يعرفون ويميزون ، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نَادَوْهم { أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ } أي : يحيونهم ويسلمون عليهم ، وهم - إلى الآن - لم يدخلوا الجنة ، ولكنهم يطمعون في دخولها ، ولم يجعل اللّه الطمع في قلوبهم إلا لما يريد بهم من كرامته .
ثم يتوجه النظر إلى المشهد من ظاهره . فإذا هنالك حاجز يفصل بين الجنة والنار ؛ عليه رجال يعرفون اصحاب الجنة وأصحاب النار بسيماهم وعلاماتهم . . فلننظر من هؤلاء ، وما شأنهم مع أصحاب الجنة وأصحاب النار ؟
( وبينهما حجاب ، وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم . ونادوا أصحاب الجنة : أن سلام عليكم . . لم يدخلوها وهم يطمعون . وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا : ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين . ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم ، قالوا : ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون . أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ؟ ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) . .
روي أن هؤلاء الرجال الذين يقفون على الأعراف - الحجاب الحاجز بين الجنة والنار - جماعة من البشر ، تعادلت حسناتهم وسيئاتهم ، فلم تصل بهم تلك إلى الجنة مع أصحاب الجنة ، ولم تؤد بهم هذه إلى النار مع أصحاب النار . . وهم بين بين ، ينتظرون فضل الله ويرجون رحمته . . وهم يعرفون أهل الجنة بسيماهم - ربما ببياض الوجوه ونضرتها أو بالنور الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم - ويعرفون أهل النار بسيماهم - ربما بسواد الوجوه وقترتها ، أو بالوسم الذي على أنوفهم التي كانوا يشمخون بها في الدنيا ، كالذي جاء في سورة القلم : ( سنسمه على الخرطوم ) ! وها هم أولاء يتوجهون إلى أهل الجنة بالسلام . . يقولونها وهم يطمعون أن يدخلهم الله الجنة معهم ! . . .
الضمير في قوله { وبينهما } عائد على الجنة والنار ، ويحتمل على الجمعين إذا يتضمنهما قوله تعالى : { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار } [ الأعراف : 44 ] ، و «الحجاب » : هو السور الذي ذكره عز وجل في قوله : { فضرب بينهم بسور له باب } قاله ابن عباس ، وقاله مجاهد : { الأعراف } حجاب بين الجنة والنار ، وقال ابن عباس أيضاً هو تل بين الجنة والنار ، وذكر الزهراوي حديثاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن أحداً جبل يحبنا ونحبه ، وإنه يقوم يوم القيامة يمثل بين الجنة والنار يحتبس عليه أقوام يعرفون كلاً بسيماهم هم إن شاء الله من أهل الجنة » ، وذكر حديثاً آخر عن صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن أحداً على ركن من أركان الجنة » و { الأعراف } جمع عرف وهو المرتفع من الأرض .
كل كناز لحمه نياف*** كالجمل الموفي على الأعراف
فظلت بأعراف تعالى كأنها*** رماح نحاها وجهة الريح راكز
ومنه عرف الفرس وعرف الديك لعلوهما ، وقال السدي سمي الأعراف أعرافاً لأن أصحابه يعرفون الناس .
قال القاضي أبو محمد : وهذه عجمة وإنما المراد على أعراف ذلك الحجاب أعاليه ، وقوله : { رجال } قال أبو مجلز لاحق بن حميد : هم الملائكة ، ولفظة { رجال } مستعارة لهم لما كانوا في تماثيل رجال قال : وهم ذكور ليسوا بإناث .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وقد سمى الله رجالاً في الجن ، وقال الجمهور : هم رجال من البشر ، ثم اختلفوا فقال مجاهد : هم قوم صالحون فقهاء علماء ، وحكى الزهراوي أنهم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم كل أمة ، وقاله الزجاج وقال قوم : هم أنبياء ، وقال المهدوي : هم الشهداء ، وقال شرحبيل بن سعد : هم المستشهدون في سبيل الله الذين خرجوا عصاة لآبائهم ، وذكر الطبري في ذلك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه تعادل عقوقهم واستشهادهم وقال ابن مسعود والشعبي وحذيفة بن اليمان وابن عباس وابن جبير والضحاك : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم .
قال القاضي أبو محمد : وقع في مسند خيثمة بن سليمان في آخر الجزء الخامس عشر حديث عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار ، قيل يا رسول الله فمن استوت حسناته وسيئاته ؟ قال أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون » ، وقال حذيفة بن اليمان أيضاً : هم قوم أبطأت بهم صغارهم إلى آخر الناس .
قال القاضي أبو محمد : واللازم من الآية أن على أعراف ذلك السور أو على مواضع مرتفعة عن الفريقين حيث شاء الله تعالى رجالاً من أهل الجنة ، يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وصف من الاعتبار في الفريقين .
و { يعرفون كلاً بسيماهم } أي بعلامتهم وهي بياض الوجوه وحسنها في أهل الجنة ، وسوادها وقبحها في أهل النار إلى غير ذلك في حيز هؤلاء وحيز هؤلاء ، والسيما العلامة وهو من وسم ، وفيه قلب ، يقال سيما مقصور وسيما ممدود وسيمياء بكسر الميم وزيادة ياء فوزنها عفلاً مع كونها من وسم ، وقيل هي من سوم إذا علم فوزنها على هذا فعلاً ، ونداؤهم أصحاب الجنة يحتمل أن يكون وأصحاب الجنة لم يدخلوها بعد فيكون أيضاً قوله { لم يدخلوها وهم يطمعون } محتملاً أن يعنى به أهل الجنة وهو تأويل أبي مجلز إذ جعل أصحاب الأعراف ملائكة ، ومحتملاً أن يعنى به أهل الأعراف ، ويحتمل أن يكون نداؤهم أهل الجنة بالسلام وهم قد دخلوها ، فلا يحتمل حينئذ قوله : { لم يدخلوها وهم يطمعون } إلا أهل الأعراف فقط ، وهو تأويل السدي وقتادة وابن مسعود والحسن ، وقال : والله ما جعل الله ذلك الطمع في قلوبهم إلا لخير أراده بهم .
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الأظهر الأليق ولا نظر لأحد مع قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { وهم يطمعون } هي جملة مقطوعة ، أخبر أنهم لم يدخلوها وهم طامعون بدخولها فكأن الجملة حال من الضمير في { نادوا } ، وقرأ أبو رقيش النحوي «لم يدخلوها وهم طامعون » وقرأ إياد بن لقيط «وهم ساخطون » ، وذكر بعض الناس قولاً وهو أن يقدر قوله { وهم يطمعون } في موضع الحال من ضمير الجماعة في { يدخلوها } ، ويكون المعنى لم يدخلوها في حال طمع بها بل كانوا في حال يأس وخوف لكنهم عمهم عفو الله عز وجل ، وقال ابن مسعود : إنما طمع أصحاب الأعراف لأن النور الذي كان في أيديهم لم يطفأ جين يطفأ كل ما بأيدي المنافقين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.