تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡيَا ٱلَّتِيٓ أَرَيۡنَٰكَ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا طُغۡيَٰنٗا كَبِيرٗا} (60)

{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ } علما وقدرة فليس لهم ملجأ يلجأون إليه ولا ملاذ يلوذون به عنه ، وهذا كاف لمن له عقل في الانكفاف عما يكرهه الله الذي أحاط بالناس .

{ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً } أكثر المفسرين على أنها ليلة الإسراء .

{ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ } التي ذكرت { فِي الْقُرْآنِ } وهي شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم .

والمعنى إذا كان هذان الأمران قد صارا فتنة للناس حتى استلج الكفار بكفرهم وازداد شرهم وبعض من كان إيمانه ضعيفا رجع عنه بسبب أن ما أخبرهم به من الأمور التي كانت ليلة الإسراء ومن الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان خارقا للعادة .

والإخبار بوجود شجرة تنبت في أصل الجحيم أيضا من الخوارق فهذا الذي أوجب لهم التكذيب . فكيف لو شاهدوا الآيات العظيمة والخوارق الجسيمة ؟ "

أليس ذلك أولى أن يزداد بسببه شرهم ؟ ! فلذلك رحمهم الله وصرفها عنهم ، ومن هنا تعلم أن عدم التصريح في الكتاب والسنة بذكر الأمور العظيمة التي حدثت في الأزمنة المتأخرة أولى وأحسن لأن الأمور التي لم يشاهد الناس لها نظيرا ربما لا تقبلها عقولهم لو أخبروا بها قبل وقوعها ، فيكون ذلك ريبا في قلوب بعض المؤمنين ومانعا يمنع من لم يدخل الإسلام ومنفرا عنه .

بل ذكر الله ألفاظا عامة تتناول جميع ما يكون .

{ وَنُخَوِّفُهُمْ } بالآيات { فَمَا يَزِيدُهُمْ } التخويف { إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا } وهذا أبلغ ما يكون في التملي بالشر ومحبته وبغض الخير وعدم الانقياد له .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡيَا ٱلَّتِيٓ أَرَيۡنَٰكَ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا طُغۡيَٰنٗا كَبِيرٗا} (60)

58

أما الخوارق التي وقعت للرسول [ ص ] وأولها خارقة الإسراء والمعراج فلم تتخذ معجزة مصدقة للرسالة . إنما جعلت فتنة للناس وابتلاء .

( وإذ قلنا لك : إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ، والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ) .

ولقد ارتد بعض من كان آمن بالرسول [ ص ] بعد حادثة الإسراء ، كما ثبت بعضهم وازداد يقينا . ومن ثم كانت الرؤيا التي أراها الله لعبده في تلك الليلة " فتنة للناس " وابتلاء لإيمانهم . أما إحاطة الله بالناس فقد كانت وعدا من الله لرسوله بالنصر ، وعصمة له من أن تمتد أيديهم إليه .

ولقد أخبرهم بوعد الله له وبما أطلعه الله عليه في رؤياه الكاشفة الصادقة . ومنه شجرة الزقوم التي يخوف الله بها المكذبين . فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل متهكما : هاتوا لنا تمرا وزبدا ، وجعل يأكل من هذا بهذا ويقول : تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا !

فماذا كانت الخوارق صانعة مع القوم لو كانت هي آية رسالته كما كانت علامة الرسالات قبله ومعجزة المرسلين ? وما زادتهم خارقة الإسراء ولا زادهم التخويف بشجرة الزقوم إلا طغيانا كبيرا ?

إن الله لم يقدر إهلاكهم بعذاب من عنده . ومن ثم لم يرسل إليهم بخارقة . فقد اقتضت إرادته أن يهلك المكذبين بالخوارق . أما قريش فقد أمهلت ولم تؤخذ بالإبادة كقوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب . . ومن المكذبين من آمن بعد ذلك وكان من جند الإسلام الصادقين . ومنهم من أنجب المؤمنين الصادقين . وظل القرآن - معجزة الإسلام - كتابا مفتوحا لجيل محمد [ ص ] وللأجيال بعده ، فآمن به من لم يشهد الرسول وعصره وصحابته . إنما قرأ القرآن أو صاحب من قرأه . وسيبقى القرآن كتابا مفتوحا للأجيال ، يهتدي به من هم بعد في ضمير الغيب ، وقد يكون منهم من هو أشد إيمانا وأصلح عملا ، وأنفع للإسلام من كثير سبقوه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡيَا ٱلَّتِيٓ أَرَيۡنَٰكَ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا طُغۡيَٰنٗا كَبِيرٗا} (60)

{ وإذ قلنا لك } واذكر إذ أوحينا إليك . { إن ربك أحاط بالناس } فهم في قبضة قدرته ، أو أحاط بقريش بمعنى أهلكهم من أحاط بهم العدو ، فهي بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه . { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } ليلة المعراج وتعلق به من قال إنه كان في المنام ، ومن قال إنه كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية . أو عام الحديبية حين رأى أنه دخل مكة . وفيه أن الآية مكية إلا أن يقال رآها بمكة وحكاها حينئذ ، ولعله رؤيا رآها في وقعة بدر لقوله تعالى : { إذ يريكهم الله في منامك قليلا } ولما روي ( أنه لما ورد ماءه قال لكأني أنظر إلى مصارع القوم هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان ، فتسامعت به قريش واستسخروا منه ) . وقيل رأى قوما من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال : " هذا حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم " ، وعلى هذا كان المراد بقوله : { إلا فتنة للناس } ما حدث في أيامهم . { والشجرة الملعونة في القرآن } عطف على { الرؤيا } وهي شجرة الزقوم ، لما سمع المشركون ذكرها قالوا أن محمدا يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر ، ولم يعلموا أن من قدر أن يحمي وبر السَمَنْدَل من أن تأكله النار ، وأحشاء النعامة من أذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر التي تبتلعها ، قدر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها . ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة ، أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه أبعد مكان من الرحمة ، أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضاراً ، وقد أولت بالشيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي ، وقرئت بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي والشجرة الملعونة في القرآن كذلك . { ونخوّفهم } بأنواع التخويف . { فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا } إلا عتوا متجاوز الحد .