عندئذ ، وفي هذا الموقف المكشوف ، تختبر كل نفس ما أسلفت من عمل ، وتدرك عاقبته إدراك الخبرة والتجربة :
هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت . .
وهنالك يتكشف الموقف عن رب واحد حق يرجع إليه الجميع ، وما عداه باطل :
( وردوا إلى الله مولاهم الحق ) . .
وهنالك لا يجد المشركون شيئا من دعاويهم ومزاعمهم وآلهتهم ، فكله شرد عنهم ولم يعد له وجود :
( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) . .
وهكذا يتجلى المشهد الحي ، في ساحة الحشر ، بكل حقائقه ، وبكل وقائعه ، وبكل مؤثراته واستجاباته . تعرضه تلك الكلمات القلائل ، فتبلغ من النفس ما لا يبلغه الإخبار المجرد ، ولا براهين الجدل الطويل !
وقوله : { هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ } أي : في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما أسلفت من [ عملها من ]{[14214]} خير وشر ، كما قال تعالى : { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } [ الطارق : 9 ] ، وقال تعالى : { يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] ، وقال تعالى : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } [ الإسراء : 13 ، 14 ] .
وقد قرأ بعضهم : { هُنَالِكَ تَتْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ } وفسَّرها بعضهم بالقراءة ، وفسّرها بعضهم بمعنى تتبع ما قدمته من خير وشر ، وفسّرها بعضهم بحديث : " تتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فيتبع من
كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت " الحديث . {[14215]} وقوله : { وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ } أي : ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل ، ففصلها ، وأدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار .
{ وَضَلَّ عَنْهُمْ } أي : ذهب عن المشركين { مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } أي : ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه .
{ هنالك } في ذلك المقام . { تبلو كل نفس ما أسلفت } تختبر ما قدمت من عمل فتعاين نفعه وضره . وقرأ حمزة والكسائي " تتلو " من التلاوة أي تقرأ ذكر ما قدمت ، أو من التلو أي تتبع عملها فيقودها إلى الجنة أو إلى النار . وقرئ " نبلو " بالنون ونصب { كل } وإبدال { ما } منه والمعنى نختبرها أي نفعل بها فعل المختبر لحالها المتعرف لسعادتها وشقاوتها بتعرف ما أسلفت من أعمالها ، ويجوز أن يراد به نصيب بالبلاء أي بالعذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر فتكون { ما } منصوبة بنزع الخافض . { وردّوا إلى الله } إلى جزائه إياهم بما أسلفوا . { مولاهم الحق } ربهم ومتولي أمرهم على الحقيقة لا ما اتخذوه مولى ، وقرئ { الحق } بالنصب على المدح أو المصدر المؤكد . { وضلّ عنهم } وضاع عنهم . { ما كانوا يفترون } من أن آلهتهم تشفع لهم ، أو ما كانوا يدعون أنها آلهة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.