تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

{ 34 - 35 } { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }

أي : ولكل أمة من الأمم السالفة جعلنا منسكا ، أي : فاستبقوا إلى الخيرات وتسارعوا إليها ، ولننظر أيكم أحسن عملا ، والحكمة في جعل الله لكل أمة منسكا ، لإقامة ذكره ، والالتفات لشكره ، ولهذا قال : { لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } وإن اختلفت أجناس الشرائع ، فكلها متفقة على هذا الأصل ، وهو ألوهية الله ، وإفراده بالعبودية ، وترك الشرك به ولهذا قال : { فَلَهُ أَسْلِمُوا } أي : انقادوا واستسلموا له لا لغيره ، فإن الإسلام له طريق إلى الوصول إلى دار السلام . { وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } بخير الدنيا والآخرة ، والمخبت : الخاضع لربه ، المستسلم لأمره ، المتواضع لعباده .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

هذه الذبائح يذكر القرآن الكريم أنها شعيرة معروفة في شتى الأمم ؛ إنما يوجهها الإسلام وجهتها الصحيحة حين يتوجه بها إلى الله وحده دون سواه :

( ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام . فإلهكم إله واحد . فله أسلموا وبشر المخبتين ، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، والصابرين على ما أصابهم ، والمقيمي الصلاة ، ومما رزقناهم ينفقون ) . .

والإسلام يوحد المشاعر والاتجاهات ، ويتوجه بها كلها إلى الله . ومن ثم يعنى بتوجيه الشعور والعمل ، والنشاط والعبادة ، والحركة والعادة ؛ إلى تلك الوجهة الواحدة . وبذلك تصطبغ الحياة كلها بصبغة العقيدة .

وعلى هذا الأساس حرم من الذبائح ما أهل لغير الله به ؛ وحتم ذكر اسم الله عليها ، حتى ليجعل ذكر اسم الله هو الغرض البارز ، وكأنما تذبح الذبيحة بقصد ذكر اسم الله . ( ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) . .

ويعقب بتقرير الوحدانية : ( فإلهكم إله واحد ) . . وبالأمر بالإسلام له وحده : ( فله أسلموا ) . . وليس هو إسلام الإجبار والاضطرار ، إنما هو إسلام التسليم والاطمئنان : ( وبشر المخبتين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

يخبر تعالى أنه لم يَزَل ذبحُ المناسك وإراقةُ الدماء على اسم الله مشروعًا في جميع الملل .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا } قال : عيدًا .

وقال عكرمة : ذبحا . وقال زيد بن أسلم في قوله : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا } ، إنها مكة ، لم يجعل الله لأمة قط منسكا غيرها .

[ وقوله ]{[20213]} : { لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ } ، كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، فسمَّى وكبر ، ووضع رجله على صِفَاحهما{[20214]} .

وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا سَلام بن مسكين ، عن عائذ الله المجاشعي ، عن أبي داود - وهو نُفَيْع بن الحارث - عن زيد بن أرقم قال : قلت - أو : قالوا - : يا رسول الله ، ما هذه الأضاحي ؟ قال : " سنة أبيكم إبراهيم " . قالوا : ما لنا منها ؟ قال : " بكل شعرة حسنة " قالوا : فالصوف ؟ قال : " بكل شعرة من الصوف حسنة " .

وأخرجه الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه في سننه ، من حديث سلام بن مسكين ، به{[20215]} .

وقوله : { فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا } أي : معبودكم واحد ، وإن تَنوّعَت شرائع الأنبياء ونَسخَ بعضها بعضًا ، فالجميع يدعون إلى عبادة الله وحده ، لا شريك له ، { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي{[20216]} إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } {[20217]} [ الأنبياء : 25 ] . ولهذا قال : { فَلَهُ أَسْلِمُوا } أي : أخلصوا واستسلموا لحُكْمه وطاعته .

{ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } : قال مجاهد : المطمئنين ، وقال الضحاك ، وقتادة : المتواضعين . وقال السدي : الوجلين . وقال عمرو بن أوس{[20218]} : المخبتون{[20219]} : الذين لا يَظلمون ، وإذا ظُلموا لم ينتصروا .

وقال الثوري : { وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } قال : المطمئنين الراضين بقضاء الله ، المستسلمين له .

وأحسن ما يفسّر بما بعده وهو قوله : { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ }


[20213]:- زيادة من ف ، أ.
[20214]:- صحيح البخاري برقم (5558) وصحيح مسلم برقم (1966).
[20215]:- المسند (4/368).
[20216]:- في ت ، أ : "يوحى".
[20217]:- في ت : "فاعبدوني".
[20218]:- في ت ، ف ، أ : "إدريس".
[20219]:- في ت : "المختبتين".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

{ ولكل أمة } ولك أهل دين . { جعلنا منسكا } متعبدا أو قربانا يتقربون به إلى الله ، وقرأ حمزة والكسائي بالكسر أي موضع نسك . { ليذكروا اسم الله } دون غيره ويجعلون نسيكتهم لوجهه ، علل الجعل به تنبيها على أن المقصود من المناسك تذكر المعبود . { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } عند ذبحها ، وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون نعما . { فإلهكم إله واحد فله أسلموا } أخلصوا التقرب أو الذكر ولا تشوبوه بالإشراك . { وبشر المخبتين } المتواضعين أو المخلصين فإن الإخبات صفتهم .