تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (36)

{ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى } كأنها تشوفت أن يكون ذكرا ليكون أقدر على الخدمة وأعظم موقعا ، ففي كلامها

[ نوع ]{[157]}  عذر من ربها ، فقال الله : { والله أعلم بما وضعت } أي : لا يحتاج إلى إعلامها ، بل علمه متعلق بها قبل أن تعلم أمها ما هي { وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم } فيه دلالة على تفضيل الذكر على الأنثى ، وعلى التسمية وقت الولادة ، وعلى أن للأم تسمية الولد إذا لم يكره الأب { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } دعت لها ولذريتها أن يعيذهم الله من الشيطان الرجيم .


[157]:- الكلمة غير واضحة في الأصل ويبدو - والله أعلم - أنها كما أثبت.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (36)

33

ولكنها وضعتها أنثى ؛ ولم تضعها ذكرا !

( فلما وضعتها قالت : رب إني وضعتها أنثى - والله أعلم بما وضعت - وليس الذكر كالأنثى . وإني سميتها مريم . وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) . .

لقد كانت تنتظر ولدا ذكرا ؛ فالنذر للمعابد لم يكن معروفا إلا للصبيان ، ليخدموا الهيكل ، وينقطعوا للعبادة والتبتل . ولكن ها هي ذي تجدها أنثى . فتتوجه إلى ربها في نغمة أسيفة :

( رب . إني وضعتها أنثى ) . .

( والله أعلم بما وضعت ) . .

ولكنها هي تتجه إلى ربها بما وجدت ، وكأنها تعتذر إن لم يكن لها ولد ذكر ينهض بالمهمة .

( وليس الذكر كالأنثى ) . .

ولا تنهض الأنثى بما ينهض به الذكر في هذا المجال : ( وإني سميتها مريم ) . .

وهذا الحديث على هذا النحو فيه شكل المناجاة القريبة . مناجاة من يشعر أنه منفرد بربه . يحدثه بما في نفسه ، وبما بين يديه ، ويقدم له ما يملك تقديما مباشرا لطيفا . وهي الحال التي يكون فيها هؤلاء العباد المختارون مع ربهم . حال الود والقرب والمباشرة ، والمناجاة البسيطة العبارة ، التي لا تكلف فيها ولا تعقيد . مناجاة من يحس أنه يحدث قريبا ودودا سميعا مجيبا .

( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) . .

وهي الكلمة الأخيرة حيث تودع الأم هديتها بين يدي ربها ، وتدعها لحمايته ورعايته ، وتعيذها به هي وذريتها من الشيطان الرجيم . .

وهذه كذلك كلمة القلب الخالص ، ورغبة القلب الخالص . فما تود لوليدتها أمرا خيرا من أن تكون في حياطة الله من الشيطان الرجيم !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (36)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَلَمّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنّي سَمّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ }

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { فَلَمّا وَضَعَتْها } فلما وضعت حنة النذيرة ، ولذلك أنث . ولو كانت الهاء عائدة على «ما » التي في قوله : { إني نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } لكان الكلام : فلما وضعته قالت : ربّ إني وضعته أنثى . ومعنى قوله : { وَضَعْتُها } ولدتها ، يقال منه : وضعت المرأة تضع وضعا . { قَالَتْ رَب إني وَضَعْتُها أُنْثَى } أي ولدت النذيرة أنثى¹ { وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } .

واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة القراء : { وَضَعَتْ } خبرا من الله عزّ وجلّ عن نفسه أنه العالم بما وضعت من غير قيلها : { رَبّ إني وَضَعْتُها أُنْثَى } . وقرأ ذلك بعض المتقدمين : «وَاللّهُ أعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ » على وجه الخبر بذلك عن أمّ مريم أنها هي القائلة ، والله أعلم بما ولدتُ مني .

وأولى القراءتين بالصواب ما نقلته الحجة مستفيضة فيها قراءته بينها لا يتدافعون صحتها ، وذلك قراءة من قرأ : { وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } ولا يعترض بالشاذ عنها عليها .

فتأويل الكلام إذا : والله أعلم من كل خلقه بما وضعت . ثم رجع جلّ ذكره إلى الخبر عن قولها ، وأنها قالت اعتذارا إلى ربها مما كانت نذرت في حملها فحرّرته لخدمة ربها : { وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها ، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدْس والقيام بخدمة الكنيسة لما يعتريها من الحيض والنفاس { وإني سَمّيْتُها مَرْيَم } . كما :

حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { فَلَمّا وَضَعَتْها قَالَتْ رَبّ إنّي وَضَعْتُها أُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } أي لما جعلتها له محرّرة نذيرة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق : { وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } لأن الذكر هو أقوى على ذلك من الأنثى .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } كانت المرأة لا تستطيع أن يصنع بها ذلك ، يعني أن تحرّر للكنيسة فتجعل فيها تقوم عليها وتكنسها فلا تبرحها مما يصيبها من الحيض والأذى ، فعند ذلك قالت : { وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { قالتْ رَبّ إنّي وَضَعْتُها أُنْثَى } وإنما كانوا يحررون الغلمان ، قال : { وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى وَإِنْي سَمّيْتُها مَرْيَم } .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها ، وكانت على رجاء أن يهب لها غلاما ، لأن المرأة لا تستطيع ذلك يعني القيام على الكنيسة لا تبرحها وتكنسها لما يصيبها من الأذى .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أن امرأة عمران ظنت أن ما في بطنها غلام ، فوهبته لله ، فلما وضعت إذا هي جارية ، فقالت تعتذر إلى الله : { رَبّ إنّي وَضَعْتُها أُنْثَى . . . وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } تقول : إنما يحرّر الغلمان . يقول الله : { وَاللّهْ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } ، فقالت : { إِنّي سَمَيْتُهَا مَرْيَم } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن القاسم بن أبي بزة ، أنه أخبره عن عكرمة ، وأبي بكر عن عكرمة : { فَلَمّا وَضَعَتْها قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُها أُنْثَى . . . وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } يعني في المحيض ، ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال¹ أمها تقول ذلك .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرّيّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } .

تعني بقولها : { وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَها } وإني أجعل معاذها ومعاذ ذرّيتها من الشيطان الرجيم بك . وأصل المعاذ : الموئل والملجأ والمعقل . فاستجاب الله لها فأعاذها الله وذرّيتها من الشيطان الرجيم ، فلم يجعل له عليها سبيلاً .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ نَفْسِ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاّ وَالشّيْطَانُ يَنَالُ مِنْهُ تِلْكَ الطّعْنَةَ ، وَبِهَا يَسْتَهِلّ الصّبِيّ¹ إِلاّ مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ فَإِنّها لَمّا وَضَعَتْها قَالَتْ : { رَبّ إِنّي أُعِيذُها وَذُرّيّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } فَضُرِبَ دُونَها حِجابٌ ، فَطَعَنَ فِيهِ » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كُلّ مَوْلُودٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ لَهُ طَعْنَةٌ مِنَ الشّيْطَانِ ، وَبِها يَسْتَهِلّ الصّبِيّ¹ إِلاّ مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ وَوَلَدِها ، فَإِنّ أُمّها قَالَتْ حِينَ وَضَعَتْه : { إِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُريّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } فَضُرِبَ دُونَهُما حِجابٌ فَطَعَنَ فِي الحِجابِ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عمرو ، عن شعيب بن خالد ، عن الزبير ، عن سعيد بن المسيب ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «ما مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ يُولَدُ إِلاّ قَدْ مَسّهُ الشّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ ، فَيَسْتَهِلّ صَارِخا بِمَسّهِ إيّاهُ¹ غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِها » . فقال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : { إِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب عن عجلان مولى المشمعلّ ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كُلّ مَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ بَنِي آدَمَ يَمَسّهُ الشّيْطَانُ بأُصْبُعِهِ ، إِلاّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا » .

حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثني عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا يونس سليمان مولى أبي هريرة ، حدثه عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «كُلّ بَنِي آدَمَ يَمَسّهُ الشّيْطَانُ يَوْمَ وَلَدتْهُ أُمّهُ ، إِلاّ مَرْيَمَ وَابْنَها » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمران أن أبا يونس حدثه ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

حدثني الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاّ يَمَسّهُ الشّيْطَانُ فَيَسْتَهِلّ صَارِخا مِنْ مَسّةِ الشّيْطَانِ إِلاّ مَرْيَمَ وَابْنَها » ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : { وَإِنّي أُعِيذُها بِكَ وَذُريّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرجِيمِ } .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا قيس ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاّ وَقَدْ عَصَرَهُ الشّيْطَانُ عَصْرَةً أَوْ عَصْرَتَيْنِ¹ إِلاّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَمَرْيَمَ » . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرّيّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ما ولد مولود إلا وقد استهلّ ، غير المسيح ابن مريم لم يسلط عليه الشيطان ولم يَنْهَزْه .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا المنذر بن النعمان الأفطس ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : لما ولد عيسى ، أتت الشياطين إبليس ، فقالوا : أصبحت الأصنام قد نكست رءوسها ، فقال : هذا في حادث حدث ! وقال : مكانكم ! فطار حتى جاء خافقي الأرض ، فلم يجد شيئا ، ثم جاء البحار فلم يجد شيئا ، ثم طار أيضا فوجد عيسى قد ولد عند مذود حمار ، وإذا الملائكة قد حفت حوله¹ فرجع إليهم فقال : إن نبيا قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا أنا بحضرتها إلا هذه ! فأْيِسُوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ، ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «كُلّ بَنِي آدَمَ طَعَنَ الشّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ إِلاّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمّهُ ، جُعِلَ بَيْنَهُما وَبَيْنَهُ حجابٌ ، فأصَابَتِ الطّعْنَةُ الحِجابَ وَلَمْ يَنْفُذْ إِلَيْهِمَا شَيْءً » وذكر لنا أنهما كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها سائر بني آدم . وذكر لنا أن عيسى كان يمشي على البحر كما يمشي على البرّ مما أعطاه الله تعالى من اليقين والإخلاص .

حدثني المثنى ، قال : ثني إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } قال : إن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «كُلّ آدَمِيّ طَعَنَ الشّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ غَيْرَ عِيسَى وأُمّهِ ، كانا لا يُصِيبانِ الذّنُوبَ كَما يُصَيبُها بَنُو آدَمَ » . قال : وقال عيسى صلى الله عليه وسلم فيما يثني على ربه : «وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن له علينا سبيل » .

حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثنا الليث ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز أنه قال : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كُلّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ حِينَ تَلِدُهُ أُمّهُ ، إِلاّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الحِجابِ » .

حدثنا الربيع ، قال : حدثنا شعيب ، قال : أخبرنا الليث ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز أنه قال : قال أبو هريرة : أرأيت هذه الصرخة التي يصرخها الصبيّ حين تلده أمه ؟ فإنها منها .

حدثني أحمد بن الفرج ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، قال : حدثنا الزبيدي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلاّ يَمَسّهُ الشّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ يَسْتَهِلّ صَارِخا » .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (36)

هذه الآية خطاب من الله تعالى لمحمد عليه السلام ، والوضع الولادة ، وأنث الضمير في { وضعتها } ، حملاً على الموجودة ورفعاً للفظ { ما } التي في قولها { ما في بطني }{[3108]} [ آل عمران : 33 ] وقولها : { رب إني وضعتها أنثى } لفظ خبر في ضمنه التحسر والتلهف ، وبيّن الله ذلك بقوله : { والله أعلم بما وضعت } : وقرأ جمهور الناس «وضعَتْ » بفتح العين وإسكان التاء ، وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر «وضعْتُ » ، بضم التاء وإسكان العين{[3109]} ، وهذا أيضاً مخرج قولها ، { رب إني وضعتها أنثى } من معنى الخبر إلى معنى التلهف ، وإنما تلهفت لأنهم كانوا لا يحررون الإناث لخدمة الكنائس ولا يجوز ذلك عندهم ، وكانت قد رجت أن يكون ما في بطنها ذكراً فلما وضعت أنثى تلهفت على فوت الأمل وأفزعها أن نذرت ما لا يجوز نذره ، وقرأ ابن عباس «وضعتِ » بكسر التاء على الخطاب من الله لها ، وقولها { وليس الذكر كالأنثى } تريد في امتناع نذره إذ الأنثى تحيض ولا تصلح لصحبة الرهبان{[3110]} قاله قتادة والربيع والسدي وعكرمة وغيرهم ، وبدأت بذكر الأهم في نفسها وإلا فسياق قصتها يقتضي أن تقول : وليست الأنثى كالذكر فتضع حرف النفي مع الشيء الذي عندها وانتفت عنه صفات الكمال للغرض المراد ، وفي قولها { وإني سميتها مريم } سنة تسمية الأطفال قرب الولادة ونحوه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ولد لي الليلة مولود فسميته باسم أبي إبراهيم{[3111]} وقد روي عنه عليه السلام أن ذلك في يوم السابع يعق عن المولود ويسمى{[3112]} ، قال مالك رحمه الله : ومن مات ولده قبل السابع فلا عقيقة عليه ولا تسمية ، قال ابن حبيب : أحب إلي أن يسمى ، وأن يسمى السقط لما روي من رجاء شفاعته{[3113]} ، و { مريم } ، لا ينصرف لعجمته وتعريفه وتأنيثه{[3114]} ، وباقي الآية إعادة ، وورد في الحديث عن النبي عليه السلام من رواية أبي هريرة قال : «كل مولود من بني آدم له طعنة من الشيطان وبها يستهل إلا ما كان من مريم ابنة عمران وابنها فإن أمها قالت حين وضعتها : { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } فضرب بينهما حجاب فطعن الشيطان في الحجاب »{[3115]} ، وقد اختلفت ألفاظ الحديث من طرق والمعنى واحد كما ذكرته .


[3108]:-قال الزمخشري: وإنما أنث على المعنى، لأن ما في بطنها كان أنثى في علم الله، أو على تأويل: الجبلة أو النفس أو النسمة.
[3109]:- يعني أن جملة "والله أعلم بما وضعت" تتمة كلام أم مريم، كأنها تخاطب نفسها.
[3110]:- قارن كلامه بما في "زاد المسير" 1/377.
[3111]:- أخرجه الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود عن أنس. الجامع الصغير 2/619.
[3112]:- أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن، وصححه الترمذي عن سمرة بن جندب "تفسير ابن كثير 1/359" كما أخرجه الطبراني في الصغير عن بريدة مرفوعا، وفي الطبراني الأوسط والكبير عن ابن عمر، وفي الأوسط عن ابن عباس. وأخرجه أبو يعلى والبزار عن عائشة. "مجمع الزوائد" 4/57-59. ومعنى يعق عن المولود: يذبح ذبيحة يوم سبوعه، وتسمى هذه الذبيحة: عقيقة.
[3113]:- رواه ابن عساكر عن أبي هريرة ولفظه: (سموا أسقاطكم) الحديث. الجامع الصغير 2/25.
[3114]:- مريم: قيل: إنه اسم عبراني معناه: العابدة، وقيل: عربي جاء شاذا كمدين وقياسه: مرام كمنال، ومعناه في العربية: التي تغازل الفتيان. قال الراجز: قلت لزيد لم تصله مريمه.
[3115]:- أخرجه البخاري عن أبي هريرة. الجامع الصغير 22/234- وقال عنه الزمخشري: "الله أعلم بصحته" (الكشاف 1/426)