وقوله : { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } أي : اجعل مداخلي ومخارجي كلها في طاعتك وعلى مرضاتك ، وذلك لتضمنها الإخلاص وموافقتها الأمر .
{ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا } أي : حجة ظاهرة ، وبرهانًا قاطعًا على جميع ما آتيه وما أذره .
وهذا أعلى حالة ينزلها الله العبد ، أن تكون أحواله كلها خيرًا ومقربة له إلى ربه ، وأن يكون له -على كل حالة من أحواله- دليلاً ظاهرًا ، وذلك متضمن للعلم النافع ، والعمل الصالح ، للعلم بالمسائل والدلائل .
( وقل : رب أدخلني مدخل صدق . وأخرجني مخرج صدق ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) .
وهو دعاء يعلمه الله لنبيه ليدعوه به . ولتتعلم أمته كيف تدعو الله وفيم تتجه إليه . دعاء بصدق المدخل وصدق المخرج ، كناية عن صدق الرحلة كلها . بدئها وختامها . أولها وآخرها وما بين الأول والآخر . وللصدق هنا قيمته بمناسبة ما حاوله المشركون من فتنته عما أنزل الله عليه ليفتري على الله غيره . وللصدق كذلك ظلاله : ظلال الثبات والاطمئنان والنظافة والإخلاص . ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) قوة وهيبة استعلي بهما على سلطان الأرض وقوة المشركين وكلمة ( من لدنك ) تصور القرب والاتصال بالله والاستمداد من عونه مباشرة واللجوء إلى حماه .
وصاحب الدعوة لا يمكن أن يستمد السلطان إلا من الله . ولا يمكن أن يهاب إلا بسلطان الله . لا يمكن أن يستظل بحاكم أو ذي جاه فينصره ويمنعه ما لم يكن اتجاهه قبل ذلك إلي الله . والدعوة قد تغزو قلوب ذوي السلطان والجاه ، فيصبحون لها جندا وخدما فيفلحون ، ولكنها هي لا تفلح إن كانت من جند السلطان وخدمه ، فهي من أمر الله ، وهي أعلى من ذوي السلطان والجاه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقُل رّبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لّي مِن لّدُنْكَ سُلْطَاناً نّصِيراً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه : وقل يا محمد يا ربّ أدخلني مدخل صدق .
واختلف أهل التأويل في معنى مُدْخل الصدق الذي أمره الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرغب إليه في أن يدخله إياه ، وفي مخرج الصدق الذي أمره أن يرغب إليه في أن يخرجه إياه ، فقال بعضهم : عَنَى بمُدْخل الصّدق : مُدْخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، حين هاجر إليها ، ومُخْرج الصدق : مُخْرجه من مكة ، حين خرج منها مهاجرا إلى المدينة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن قابوس بن أبي ظَبْيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة ، ثم أمر بالهجرة ، فأنزل الله تبارك وتعالى اسمه وَقُلْ رَبّ أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانا نَصِيرا .
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن عوف عن الحسن ، في قول الله : أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ قال : كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه ، أو يطردوه ، أو يُوثِقوه ، وأراد الله قتال أهل مكة ، فأمره أن يخرج إلى المدينة ، فهو الذي قال الله أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقِ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن مَعْمر ، عن قتادة مُدْخَلَ صِدْقٍ قال : المدينة وَمُخْرَجَ صِدْقٍ قال : مكة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقُلْ رَبّ أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ أخرجه الله من مكة إلى الهجرة بالمدينة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَقُلْ رَبّ أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ قال : المدينة حين هاجر إليها ، ومخرج صدق : مكة حين خرج منها مخرج صدق ، قال ذلك حين خرج مهاجرا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقل ربّ أمتني إماتة صِدْق ، وأخرجني بعد الممات من قبري يوم القيامة مُخْرَج صدق . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَقُلْ رَبّ أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ . . . الاَية ، قال : يعني بالإدخال : الموت ، والإخراج : الحياة بعد الممات .
وقال آخرون : بل عَنَى بذلك : أدخلني في أمرك الذي أرسلتني من النبوّة مُدْخَل صدق ، وأخرجني منه مُخْرَج صدق . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ قال : فيما أرسلتني به من أمرك وأخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ قال كذلك أيضا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أدخلني مدخل صدق : الجنة ، وأخرجني مخرج صدق : من مكة إلى المدينة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : قال الحسن : أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ الجنة ومُخْرَجَ صِدْقٍ من مكة إلى المدينة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أدخلني في الإسلام مُدْخل صدق . ذكر من قال ذلك :
حدثنا سهل بن موسى الرازي ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : رَبّ أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ قال : أدخلني في الإسلام مدخل صدق وأخْرِجْنِي منه مُخْرَجَ صِدْقٍ .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أدخلني مكة آمنا ، وأخرجني منها آمنا . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك قال في قوله : رَبّ أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ يعني مكة ، دخل فيها آمنا ، وخرج منها آمنا .
وأشبه هذه الأقوال بالصواب في تأويل ذلك ، قول من قال : معنى ذلك : وأدخلني المدينة مُدْخل صدق ، وأخرجني من مكة مُخْرج صدق .
وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الاَية ، لأن ذلك عقيب قوله : وَإنْ كادُوا لَيَسْتَفِزّونَكَ مِن الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وإذا لا يَلْبَثُونَ خِلاَفَكَ إلاّ قَلِيلاً . وقد دللنا فيما مضى ، على أنه عنى بذلك أهل مكة فإذ كان ذلك عقيب خبر الله عما كان المشركون أرادوا من استفزازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليخرجوه عن مكة ، كان بيّنا ، إذ كان الله قد أخرجه منها ، أن قوله : وَقُلْ رَبّ أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ أمر منه له بالرغبة إليه في أن يخرجه من البلدة التي هم المشركون بإخراجه منها مخرج صدق ، وأن يدخله البلدة التي نقله الله إليها مدخل صدق .
وقوله : وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانا نَصِيرا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : واجعل لي ملكا ناصرا ينصرني على من ناوأني ، وعِزّا أقيم به دينك ، وأدفع به عنه من أراده بسوء . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن عوف ، عن الحسن ، في قول الله عزّ وجلّ : وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانا نَصِيرا يُوعِده لَيَنْزِعَنّ مُلك فارس ، وعزّ فارس ، وليجعلنه له ، وعزّ الرّوم ، ومُلك الروم ، وليجعلنه له .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانا نَصِيرا وإن نبيّ الله علم أن لا طاقةَ له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله عزّ وجلّ ، ولحدود الله ، ولفرائض الله ، ولإقامة دين الله ، وإن السلطان رحمة من الله جعلها بين أظهر عباده ، لولا ذلك لأغار بعضهم على بعض ، فأكل شديدهم ضعيفهم .
وقال آخرون : بل عُنِي بذلك حجة بينة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ سُلْطانا نَصِيرا قال : حجة بينة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : ذلك أمر من الله تعالى نبيه بالرغبة إليه في أن يؤتيه سلطانا نصيرا له على من بغاه وكاده ، وحاول منعه من إقامته فرائض الله في نفسه وعباده .
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب ، لأن ذلك عقيب خبر الله عما كان المشركون هموا به من إخراجه من مكة ، فأعلمه عزّ وجلّ أنهم لو فعلوا ذلك عوجلوا بالعذاب عن قريب ، ثم أمره بالرغبة إليه في إخراجه من بين أظهرهم إخراج صدق يحاوله عليهم ، ويدخله بلدة غيرها ، بمدخل صدق يحاوله عليهم ولأهلها في دخولها إليها ، وأن يجعل له سلطانا نصيرا على أهل البلدة التي أخرجه أهلها منها ، وعلى كلّ من كان لهم شبيها ، وإذا أوتي ذلك ، فقد أوتي لا شكّ حجة بينة .
وأما قوله : نَصِيرا فإن ابن زيد كان يقول فيه ، نحو قولنا الذي قلنا فيه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاجْعَلَ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانا نَصِيرا قال : ينصرني ، وقد قال الله لموسى سَنَشُدّ عَضُدَكَ بأخِيكَ وَنجْعَلُ لَكُما سُلْطانا فَلا يَصِلُونَ إلَيكُما بآياتنا هذا مقدّم ومؤخّر ، إنما هو سلطان بآياتنا فلا يصلون إليكما .
{ وقل رب أدخلني } أي في القبر . { مُدخَل صدق } ادخالا مرضيا . { وأخرجني } أي منه عند البعث . { مُخرج صدق } إخراجاً ملقى بالكرامة . وقيل المراد إدخال المدينة والإخراج من مكة . وقيل إدخاله مكة ظاهرا عليها وإخراجه منها آمنا من المشركين . وقيل إدخاله الغار وإخراجه منه سالماً . وقيل إدخاله فيما حمله من أعباء الرسالة وإخراجه منه مؤديا حقه . وقيل إدخاله في كل ما يلابسه من مكان أو أمر وإخراجه منه . وقرئ " مَدْخَلَ " و{ مَخْرَجَ " بالفتح على معنى أدخلني فأدخل دخولا وأخرجني فأخرج خروجا . { واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } حجة تنصرني على من خالفني أو ملكا ينصر الإسلام على الكفر ، فاستجاب له بقوله : { فإن حزب الله هم الغالبون } { ليظهره على الدين كله } { ليستخلفنهم في الأرض } .
ظاهر هذه الآية والأحسن فيها أن يكون دعاء في أن يحسن الله حالته في كل ما يتناول من الأمور ويحاول من الأسفار والأعمال وينتظر من تصرف المقادير في الموت والحياة ، فهي على أتم عموم ، معناه { ربِّ } أصلح لي وردي في كل الأمور وصدري{[7678]} ، وذهب المفسرون إلى أنها في غرض مخصوص ، ثم اختلفوا في تعيينه ، فقال ابن عباس والحسن وقتادة : أراد { أدخلني } المدينة { وأخرجني } من مكة ، وتقدم في هذا التأويل المتأخر في الوقوع ، فإنه متقدم في القول لأن الإخراج من مكة هو المتقدم ، اللهم إن مكان الدخول والقرار هو الأهم ، وقال أبو صالح ومجاهد : { أدخلني } في أمر تبليغ الشرع { وأخرجني } منه بالأداء التام ، وقال ابن عباس : الإدخال بالموت في القبر والإخراج البعث ، وما قدمت من العموم التام الذي يتناول هذا كله ، أصوب ، وقرأ الجمهور «مُدخل » «ومُخرج » بضم الميم ، فهو جرى على { أدخلني وأخرجني } وقرأ أبو حيوة وقتادة وحميد ، «مَدخل » «ومَخرج » بفتح الميم ، فليس بجار على { أدخلني } ولكن التقدير «أدخلني فأدخل مدخل » ، لأنه إنما يجري على دخل ، و «الصدق » هنا صفة تقتضي رفع المذام واستيعاب المدح ، كما تقول رجل صدق أي جامع للمحاسن ، وقوله { واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً } قال مجاهد وغيره : حجة ، يريد تنصرني ببيانها على الكفار ، وقال الحسن وقتادة يريد سعة ورياسة وسيفاً ينصر دين الله ، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بأمر الله إياه به رغبة في نصر
الدين ، فروي أن الله وعده بذلك ثم أنجزه له في حياته وتممه بعد وفاته .
لما أمره الله تعالى بالشكر الفعلي عطف عليْه الأمر بالشكر اللساني بأن يبتهل إلى الله بسؤال التوفيق في الخروج من مكان والدخول إلى مكان كيلا يضره أن يستفزه أعداؤه من الأرض ليخرجوه منها ، مع ما فيه من المناسبة لقوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } [ الإسراء : 79 ] ، فلما وعده بأن يقيمه مقاماً محموداً ناسب أن يسأل أن يكون ذلك حاله في كل مقام يقومه . وفي هذا التلقين إشارة إلهية إلى أن الله تعالى مُخرجه من مكة إلى مهاجَر . والظاهر أن هذه الآية نزلت قُبيل العقبة الأولى التي كانت مقدمة للهجرة إلى المدينة .
والمُدخل والمُخرج بضم الميم وبفتح الحرف الثالث أصله اسم مكان الإدخال والإخراج . اختير هنا الاسم المشتق من الفعل المتعدي للإشارة إلى أن المطلوب دخول وخروج ميسران من الله تعالى وواقعان بإذنه . وذلك دعاء بكل دخول وخروج مباركيْن لتتم المناسبة بين المسؤول وبين الموعود به وهو المقام المحمود . وهذا السؤال يعم كل مكان يدخل إليه ومكان يخرج منه .
والصدق : هنا الكمال وما يحمد في نوعه ، لأن ما ليس بمحمود فهو كالكاذب لأنه يخلف ظن المتلبس به .
وقد عمت هذه الدعوة جميع المداخل إلى ما يقدر له الدخول إليه وجميع المخارج التي يخرج منها حقيقة أو مجازاً . وعطف عليه سؤال التأييد والنصر في تلك المداخل والمخارج وغيرها من الأقطار النائية والأعمال القائم بها غيره من أتباعه وأعدائه بنصر أتباعه وخذل أعدائه .
فالسلطان : اسم مصدر يطلق على السُلطة وعلى الحجة وعلى المُلك . وهو في هذا المقام كلمة جامعة ؛ على طريقة استعمال المشترك في معانيه أو هو من عموم المشترك ، تشمل أن يجعل له الله تأييداً وحجة وغلبة ومُلكاً عظيماً ، وقد آتاه الله ذلك كله ، فنصره على أعدائه ، وسخر له من لم يُنوه بنهوض الحجة وظهور دلائل الصدق ، ونصره بالرعب .
ومنهم من فسر المدخل والمخرج بأن المخرج الإخراج إلى فتح مكة والمدخل الإدخال إلى بلد مكة فاتحاً ، وجعل الآية نازلة قبيل الفتح ، فبنى عليه أنها مدنية ، وهو مدخول من جهات . وقد تقدم أن السورة كلها مكية على الصحيح .
والنصير : مبالغة في الناصر ، أي سلطاناً ينصرني . وإذ قد كان العمل القائم به النبي هو الدعوة إلى الإسلام كان نصره تأييداً له فيما هو قائم به ، فصار هذا الوصف تقييداً للسلطان بأنه لم يسأل سلطاناً للاستعلاء على الناس ، وإنما سأل سلطاناً لنصره فيما يطلب النصرة وهو التبليغ وبث الإسلام في الناس .