تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

{ 100 - 102 ْ } { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ * وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ْ }

يقول تعالى منبها للأمم الغابرين بعد هلاك الأمم الغابرين{[321]} { أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ْ } أي : أو لم يتبين ويتضح للأمم الذين ورثوا الأرض ، بعد إهلاك من قبلهم بذنوبهم ، ثم عملوا كأعمال أولئك المهلكين ؟ .

أو لم يهتدوا أن اللّه ، لو شاء لأصابهم بذنوبهم ، فإن هذه سنته في الأولين والآخرين .

وقوله : { وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ْ } أي : إذا نبههم اللّه فلم ينتبهوا ، وذكرهم فلم يتذكروا ، وهداهم بالآيات والعبر فلم يهتدوا ، فإن اللّه تعالى يعاقبهم ويطبع على قلوبهم ، فيعلوها الران والدنس ، حتى يختم عليها ، فلا يدخلها حق ، ولا يصل إليها خير ، ولا يسمعون ما ينفعهم ، وإنما يسمعون ما به تقوم الحجة عليهم .


[321]:- في هامش ب في بيان معنى كلمة الغابرين المتكررة ما يلي: الغابرين: الباقين، الغابرين: الماضين.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

94

( أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ، ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون ) . .

إن سنة الله لا تتخلف ؛ ومشيئة الله لا تتوقف . فما الذي يؤمنهم أن يأخذهم الله بذنوبهم كما أخذ من قبلهم ؟

وأن يطبع على قلوبهم فلا يهتدوا بعد ذلك ، بل لا يستمعوا إلى دلائل الهدى ، ثم ينالهم جزاء الضلال في الدنيا والآخرة . . ألا إن مصارع الخالين قبلهم ، ووراثتهم لهم ، وسنة الله الجارية . . كل أولئك كان نذيراً لهم أن يتقوا ويحذروا ؛ وأن يطرحوا عنهم الأمن الكاذب ، والاستهتار السادر ، والغفلة المردية ، وأن يعتبروا بما كان في الذين خلوا من قبلهم . عسى ألا يكون فيهم . لو كانوا يسمعون !

وما يريد الله للناس بهذا التحذير في القرآن أن يعيشوا مفزعين قلقين ؛ يرتجفون من الهلاك والدمار أن يأخذهم في لحظة من ليل أو نهار . فالفزع الدائم من المجهول ، والقلق الدائم من المستقبل ، وتوقع الدمار في كل لحظة . . قد تشل طاقة البشر وتشتتها ؛ وقد تنتهي بهم إلى اليأس من العمل والنتاج وتنمية الحياة وعمارة الأرض . . إنما يريد الله منهم اليقظة والحساسية والتقوى ، ومراقبة النفس ، والعظة بتجارب البشر ، ورؤية محركات التاريخ الإنساني ، وإدامة الاتصال بالله ، وعدم الاغترار بطراءة العيش ورخاء الحياة .

والله يعد الناس الأمن والطمأنينة والرضوان والفلاح في الدنيا والآخرة ، إذا هم أرهفوا حساسيتهم به ، وإذا هم أخلصوا العبودية له ؛ وإذا هم اتقوه فاتقوا كل ما يلوث الحياة . فهو يدعوهم إلى الأمن في جوار الله لا في جوار النعيم المادي المغري . وإلى الثقة بقوة الله لا بقوتهم المادية الزائلة . وإلى الركون إلى ما عند الله لا إلى ما يملكون من عرض الحياة .

ولقد سلف من المؤمنين بالله المتقين لله سلف ما كان يأمن مكر الله . وما كان يركن إلى سواه . وكان بهذا وذاك عامر القلب بالإيمان ، مطمئناً بذكر الله ، قوياً على الشيطان وعلى هواه ، مصلحاً في الأرض بهدى الله ، لا يخشى الناس والله أحق أن يخشاه .

وهكذا ينبغي أن نفهم ذلك التخويف الدائم من بأس الله الذي لا يدفع ، ومن مكر الله الذي لا يدرك . لندرك أنه لا يدعو إلى القلق إنما يدعو إلى اليقظة ، ولا يؤدي إلى الفزع إنما يؤدي إلى الحساسية ، ولا يعطل الحياة إنما يحرسها من الاستهتار والطغيان .

والمنهج القرآني - مع ذلك - إنما يعالج أطوار النفوس والقلوب المتقلبة ، وأطوار الأمم والجماعات المتنوعة ، ويطب لكل منها بالطب المناسب في الوقت الملائم . فيعطيها جرعة من الأمن والثقة والطمأنينة إلى جوار الله ، حين تخشى قوى الأرض وملابسات الحياة . ويعطيها جرعة من الخوف والحذر والترقب لبأس الله ، حين تركن إلى قوى الأرض ومغريات الحياة . وربك أعلم بمن خلق ، وهو اللطيف الخبير . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } . .

يقول : أو لم يبين للذين يستخلفون في الأرض بعد هلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها ، فساروا سيرتهم وعملوا أعمالهم ، وعتوا عن أمر ربهم أنْ لَوْ نَشاءُ أصَبْناهُمْ بِذُنُوبهِمْ يقول : إن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم ، فأخذناهم بذنوبهم ، وعجّلنا لهم بأسنا كما عجلناه لمن كان قبلهم ممن ورثوا عنه الأرض ، فأهلكناهم بذنوبهم . وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ يقول : ونختم على قلوبهم فهم لا يَسْمَعونَ موعظة ولا تذكيرا سماع منتفع بهما .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أوَ لمْ يَهْدِ قال : يبّين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أوَ لَمْ يَهْدِ أو لم يبين .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : أو لَمْ يَهْدِ للّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِها يقول : أو لم يبين لهم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أوَ لَمْ يَهْدِ للّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِها يقول : أو لم يتبين للذين يرثون الأرض من بعد أهلها هم المشركون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوَ لَمْ يَهْدِ للّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِها أو لم نبين لهم ، أنْ لَوْ نَشاءُ أصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ قالوا : والهدى : البيان الذي بعث هاديا لهم مبينا لهم ، حتى يعرفوا ، ولولا البيان لم يعرفوا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

{ أوَلم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها } أي يخلفون من خلا قبلهم ويرثون ديارهم ، وإنما عدي يهد باللام لأنه بمعنى يبين . { أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم } أن الشأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم ، وهو فاعل يهد ومن قرأه بالنون جعله مفعولا . { ونطبع على قلوبهم } عطف على ما دل عليه ، أو لم يهد أي يغفلون عن الهداية أو منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع ، و لا يجوز عطفه على أصبناهم على أنه بمعنى وطبعنا لأنه في سياقه جواب لولا فضائه إلى نفي الطبع عنهم { فهم لا يسمعون } سماع تفهم واعتبار .