{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } مقبلة ومدبرة غير أنه لا يكون إلا في القبل ، لكونه موضع الحرث ، وهو الموضع الذي يكون منه الولد .
وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر ، لأن الله لم يبح إتيان المرأة إلا في الموضع الذي منه الحرث ، وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم ذلك ، ولعن فاعله .
{ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ } أي : من التقرب إلى الله بفعل الخيرات ، ومن ذلك أن يباشر الرجل امرأته ، ويجامعها على وجه القربة والاحتساب ، وعلى رجاء تحصيل الذرية الذين ينفع الله بهم .
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } أي : في جميع أحوالكم ، كونوا ملازمين لتقوى الله ، مستعينين بذلك لعلمكم ، { أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ } ومجازيكم على أعمالكم الصالحة وغيرها .
ثم قال : { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } لم يذكر المبشر به ليدل على العموم ، وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وكل خير واندفاع كل ضير ، رتب على الإيمان فهو داخل في هذه البشارة .
وفيها محبة الله للمؤمنين ، ومحبة ما يسرهم ، واستحباب تنشيطهم وتشويقهم بما أعد الله لهم من الجزاء الدنيوي والأخروي .
وفي هذا الظل يصور لونا من الوان العلاقة الزوجية يناسبه ويتسق مع خطوطه :
( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) . .
وفي هذا التعبير الدقيق ما فيه من إشارات إلى طبيعة تلك العلاقة في هذا الجانب ، وإلى أهدافها واتجاهاتها . نعم ! إن هذا الجانب لا يستغرق سائر العلاقات بين الزوج وزوجه . وقد جاء وصفها وذكرها في مواضع أخرى مناسبة للسياق في تلك المواضع . كقوله تعالى : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) . . وقوله : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) . . فكل من هذه التعبيرات يصور جانبا من جوانب تلك العلاقة العميقة الكبيرة في موضعه المناسب . أما مناسبة السياق هنا فيتسق معها التعبير بالحرث . لأنها مناسبة إخصاب وتوالد ونماء . وما دام حرثا فأتوه بالطريقة التي تشاءون . ولكن في موضع الإخصاب الذي يحقق غاية الحرث :
وفي الوقت ذاته تذكروا الغاية والهدف ، واتجهوا إلى الله فيه بالعبادة والتقوى ؛ فيكون عملا صالحا تقدمونه لأنفسكم . واستيقنوا من لقاء الله ، الذي يجزيكم بما قدمتم :
( وقدموا لأنفسكم . واتقوا الله . واعلموا أنكم ملاقوه ) . .
ثم يختم الآية بتبشير المؤمنين بالحسنى عند لقاء الله ، وفي هذا الذي يقدمونه من الحرث ، فكل عمل للمؤمن خير ، وهو يتجه فيه إلى الله :
هنا نطلع على سماحة الإسلام ، الذي يقبل الإنسان كما هو ، بميوله وضروراته ، لا يحاول أن يحطم فطرته باسم التسامي والتطهر ؛ ولا يحاول أن يستقذر ضروراته التي لا يد له فيها ؛ إنما هو مكلف إياها في الحقيقة لحساب الحياة وامتدادها ونمائها ! إنما يحاول فقط أن يقرر إنسانيته ويرفعها ، ويصله بالله وهو يلبي دوافع الجسد . يحاول أن يخلط دوافع الجسد بمشاعر إنسانية أولا ، وبمشاعر دينية أخيرا ؛ فيربط بين نزوة الجسد العارضة وغايات الإنسانية الدائمة ورفرفة الوجدان الديني اللطيف ؛ ويمزج بينها جميعا في لحظة واحدة ، وحركة واحدة ، واتجاه واحد ، ذلك المزج القائم في كيان الإنسان ذاته ، خليفة الله في أرضه ، المستحق لهذه الخلافة بما ركب في طبيعته من قوى وبما أودع في كيانه من طاقات . . وهذا المنهج في معاملة الإنسان هو الذي يلاحظ الفطرة كلها لأنه من صنع خالق هذه الفطرة . وكل منهج آخر يخالف عنه في قليل أو كثير يصطدم بالفطرة فيخفق ، ويشقى الإنسان فردا وجماعة . والله يعلم وأنتم لا تعلمون . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.