وقوله : { كَلاّ لَئِن لَمْ يَنْتَهِ } يقول : ليس كما قال : إنه يطأ عنق محمد ، يقول : لا يقدر على ذلك ، ولا يصل إليه .
وقوله : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ } يقول : لئن لم ينته أبو جهل عن محمد { لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ } يقول : لنأخذن بمقدّم رأسه ، فلنضمنه ولنذلنه ، يقال منه : سَفَعْتُ بيده : إذا أخذت بيده . وقيل : إنما قيل{ لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ } والمعنى : لنسوّدنّ وجهه ، فاكتفى بذكر الناصية من الوجه كله ، إذ كانت الناصية في مقدم الوجه . وقيل : معنى ذلك : لنأخذنّ بناصيته إلى النار ، كما قال : { فَيُؤْخَذُ بالنّوَاصِي وَالأقْدَامِ } .
أكّد الردع الأول بحرف الردع الثاني في آخر الجملة وهو المَوْقع الحقيق لِحرف الردع إذْ كان تقديم نظيره في أول الجملة ، لِما دعا إليه لمقام من التشويق .
{ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بالناصية } .
أعقب الردع بالوعيد على فعله إذا لم يرتدع وينته عنه .
واللام موطئة للقسم ، وجملة « لنسفَعَنْ » جواب القسم ، وأما جواب الشرط فمحذوف دل عليه جواب القَسَم .
والسفْع : القبض الشديد بجَذْب .
والناصية مقدَّم شعر الرأس ، والأخذ من الناصية أخذُ من لا يُترك له تَمَكُّنٌ من الانفلات فهو كناية عن أخذه إلى العذاب ، وفيه إذلال لأنهم كانوا لا يقبضون على شعر رأس أحد إلاّ لضربه أو جرّه . وأكدَ ذلك السفع بالباء المزيدة الداخلة على المفعول لتأكيد اللصوق .
والنون نون التوكيد الخفيفة التي يكثر دخولها في القسم المثبَت ، وكتبت في المصحف ألِفاً رعياً للنطق لها في الوقف لأن أواخر الكلِم أكثر ما ترسم على مراعاة النطق في الوقف .
والتعريف في « الناصية » للعهد التقديري ، أي بناصيته ، أي ناصية الذي ينهى عبداً إذا صلى وهذه اللام هي التي يسميها نحاة الكوفة عوضاً عن المضاف إليه . وهي تسمية حسنة وإن أباها البصريون فقدروا في مثله متعلِّقاً لمدخول اللام .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال : { كلا } لا يعلم أن الله عز وجل يرى ذلك كله ، ثم خوفه ، فقال :{ لئن لم ينته } يعني أبا جهل عن محمد ، بالتكذيب والتولي { لنسفعا بالناصية } يقول : لنأخذن بالناصية أخذا شديدا . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : { كَلاّ لَئِن لَمْ يَنْتَهِ } يقول : ليس كما قال : إنه يطأ عنق محمد ، يقول : لا يقدر على ذلك ، ولا يصل إليه .
وقوله : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ } يقول : لئن لم ينته أبو جهل عن محمد { لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ } يقول : لنأخذن بمقدّم رأسه ، فلنضمنه ولنذلنه ، يقال منه : سَفَعْتُ بيده : إذا أخذت بيده . وقيل : إنما قيل{ لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ } والمعنى : لنسوّدنّ وجهه ، فاكتفى بذكر الناصية من الوجه كله ، إذ كانت الناصية في مقدم الوجه . وقيل : معنى ذلك : لنأخذنّ بناصيته إلى النار ، كما قال : { فَيُؤْخَذُ بالنّوَاصِي وَالأقْدَامِ } .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي حقا لئن لم ينته عن صنيعه الذي يصنع برسول الله لنسفعن { بالناصية } { ناصية } أي لنأخذن بالناصية ، كأنه عبارة عن الأخذ الشديد والجر الشديد على الناصية . ثم يحتمل أن يكون ذلك الوعيد له في الدنيا أنه لو لم ينته عما ذكر . فإن كان في الدنيا فيكون السفع كناية عن العذاب أي لنعذبن . وقيل : قد أخذ بناصيته يوم بدر ، فألقي بين يدي رسول الله قتيلا ، وإن كان في الآخرة فهو عن حقيقة أخذ الناصية ... وقال أهل العربية { لنسفعا بالناصية } أي نقبض ، وسفعت ناصيته ، أي قبضت ....
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ردع لأبي جهل وخسوء له عن نهيه عن عبادة الله تعالى ، وأمره بعبادة اللات ، ثم قال { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ } عما هو فيه { لَنَسْفَعاً بالناصية } لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... وقال بعض العلماء بالتفسير : { لنسفعاً } معناه : لنحرقن ، من قولهم سفعته النار إذا أحرقته ، ... .
ثم إنه تعالى كنى ههنا عن الوجه والرأس بالناصية ، ولعل السبب فيه أن أبا جهل كان شديد الاهتمام بترجيل تلك الناصية وتطييبها ، وربما كان يهتم أيضا بتسويدها فأخبره الله تعالى أنه يسودها مع الوجه . ...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
فالآية - وإن كانت في أبي جهل - فهي عظة للناس ، وتهديد لمن يمتنع أو يمنع غيره عن الطاعة . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ كلا } أي ليس عنده علم بشيء من ذلك لسفول رتبته عن رتبة البهائم ، ولا في يده شيء من الأشياء ، فهو لا يقدر على شيء مما رامه من الأذى ، فليرتدع عن تعاطي ذلك ؛ لأنه لا يضر إلا نفسه....{ لئن لم ينته } أي يفتعل هذا الناهي لهذا العبد المطيع فيقف ويكف عما هو فيه من نهيه وتكذيبه وتوليه .... { لنسفعاً } أي والله لنأخذن ونقبضن قبضاً وأخذاً بشدة وعنف مع الجر والاجتذاب واللطم والدفع والغيظ أخذ من يعض مأخوذه ويذله ويسود وجهه ويقذره { بالناصية } أي بالشعر الذي في مقدم رأسه وهو أشرف ما فيه ، والعرب لا تأنف من شيء أنفتهم من أخذ الناصية ، وإذا انتهكت حرمة الأشرف فما بالك بغيره ، واستغنى بتعريف العهد عن الإضافة .
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ } عن سلوكه الطاغي { لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } الناصية شعر الجبهة ، والسفع الجذب بشدّةٍ ، وكانت العرب تأنف من الشد بالناصية ، أو الجرّ بها ، وتعتبره مظهراً للإذلال والتحقير ، لأنه من شؤون الحيوان لا الإنسان ، ومعناه ، فليرتدع هذا الإنسان عن غيِّه ، وإلاَّ فسنشدّه إلى جهنم بناصيته .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
توجّه هذه الآيات أشدّ التهديد لهم وتقول : ( كلاّ ) لا يكون ما يتصور ( لأنه تصور أن يصدّ عن عبادة اللّه بوضعه قدمه على رقبة النّبي ) . ( كلاّ لئن لم ينته لنسفعنّ بالناصية ) نعم ، إذا لم ينته من إثمه وطغيانه سنجرّه بالقوّة من شعر مقدمة رأسه ( وهي الناصية ) ، وثمّ وصف الناصية هذه بأنّها كاذبة خاطئة وهو وصف لصاحبها ( ناصية كاذبة خاطئة ) . «لنسفعاً » : من السفع ، وذكر له المفسّرون معاني متعددة : الجرّ بالشدّة ، الصفع على الوجه ، تسويد الوجه -الأثافي الثلاثة التي يوضع عليها القدر تسمى «سفع » لأنّها تسوّد بالدخان- ، ووضع العلامة والإذلال . والأنسب المعنى الأوّل ، وإن كانت الآية تحتمل معاني أخرى أيضاً . وهل حدوث هذا السفع بالناصية في يوم القيامة ، حيث يسحب أبو جهل وأمثاله من مقدمة شعر الرأس إلى جهنم ، أم في الدنيا ، أم في كليهما ؟ لا يستبعد أن يكون في كليهما ....
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.