{ 7-8 } { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }
وهذا من شدة عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمسلمين ، لما رأوا اجتماع أصحابه وائتلافهم ، ومسارعتهم في مرضاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، قالوا بزعمهم الفاسد :
{ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا } فإنهم - بزعمهم - لولا أموال المنافقين ونفقاتهم عليهم ، لما اجتمعوا في نصرة دين الله ، وهذا من أعجب العجب ، أن يدعى هؤلاء المنافقون الذين هم أحرص الناس على خذلان الدين ، وأذية المسلمين ، مثل هذه الدعوى ، التي لا تروج إلا على من لا علم له بحقائق الأمور{[1105]} ولهذا قال الله ردًا لقولهم : { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فيؤتي الرزق من يشاء ، ويمنعه من يشاء ، وييسر الأسباب لمن يشاء ، ويعسرها على من يشاء ، { وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ } فلذلك قالوا تلك المقالة ، التي مضمونها أن خزائن الرزق في أيديهم ، وتحت مشيئتهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىَ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللّهِ حَتّىَ يَنفَضّواْ وَلِلّهِ خَزَآئِنُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلََكِنّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } .
يقول تعالى ذكره هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ يعني الذين يقولون لأصحابهم لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْد رَسُولِ اللّهِ من أصحابه المهاجرين حتى يَنْفَضّوا يقول : حتى يتفرّقوا عنه .
وقوله : ولِلّهِ خَزَائِنُ السّمَوَاتِ والأْرضِ يقول : ولله جميع ما في السموات والأرض من شيء وبيده مفاتيح خزائن ذلك ، لا يقدر أحد أن يعطي أحدا شيئا إلا بمشيته وَلَكِنّ المُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ أن ذلك كذلك ، فلذلك يقولون : لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينفضّوا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا على مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حتى يَنْفَضّوا قال : لا تطعموا محمد وأصحابه حتى تصيبهم مجاعة ، فيتركوا نبيهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا على مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حتى يَنْفَضّوا قرأها إلى آخر الاَية ، وهذا قول عبد الله بن أُبي لأصحابه المنافقين لا تنفقوا على محمد وأصحابه حتى يَدَعوه ، فإنكم لولا أنكم تنفقون عليهم لتركوه وَأجلوا عنه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا على مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حتى يَنْفَضّوا إن عبد الله بن أُبي ابن سلول قال لأصحابه ، لا تنفقوا على من عند رسول الله ، فأنكم لو لم تنفقوا عليهم قد انفضوا .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حتى يَنْفَضّوا يعني الرّفد والمعونة ، وليس يعني الزكاة المفروضة والذين قالوا هذا هم المنافقون .
حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا الأعمش عن عمرو بن مُرّة ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيلى ، عن زيد بن أرقم ، قال : لما قال ابن أُبي ما قال ، أخبرت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فجاء فحلف ، فجعل الناس يقولون لي تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب ؟ حتى جلستُ في البيت مخافة إذا رأوني قالوا : هذا الذي يكذب ، حتى أُنزل : هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ .
وقوله تعالى : { هم الذين } أشار عبد الله بن أبي ومن قال بقوله ، قاله علي بن سليمان{[11118]} ثم سفه تعالى أحلامهم في أن ظنوا إنفاقهم هو سبب رزق المهاجرين ونسوا أن جريان الرزق بيد الله تعالى ، إذا انسد باب انفتح غيره ، وقرأ الفضل بن عيسى الرقاشي{[11119]} : «حتى يُنفِضْوا » بضم الياء وتخفيف الفاء ، يقال : «أنفَضَ » الرجل إذا فني طعامه فنفض وعاءه والخزائن موضع الإعداد ، ونجد القرآن قد نطق في غير موضع بالخزائن ونجد في الحديث : «خزنة الريح »{[11120]} وفي القرآن : { من جبال فيها من برد }{[11121]} [ النور : 43 ] ، فجائز أن تكون هذه عبارة عن القدرة وأن هذه الأشياء إيجادها عند ظهورها جائز . وهو الأظهر . إن منها أشياء مخلوقة موجودة يصرفها الله تعالى حيث شاء ، وظواهر ألفاظ الشريعة تعطي هذا . ومعناه في التفسير قال : عتت على الخزان{[11122]} ، وفي الحديث : «ما انفتح من خزائن الربح على قوم عاد إلا قدر حلقة الخاتم ، ولو انفتح مقدار منخر الثور لهلكت الدنيا »{[11123]}
، وقال رجل لحاتم الأصم : من أين تأكل ، فقرأ : { ولله خزائن السماوات والأرض } ، وقال الجنيد : { خزائن } السماء : الغيوب ، و { خزائن } الأرض : القلوب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.