فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ} (7)

ثم ذكر سبحانه بعض قبائحهم فقال :{ هم الذين يقولون } استئناف جار مجرى التعليل لفسقهم أو لعدم هداية الله لهم والمعنى يقولون لأصحابهم من الأنصار المخلصين في الإيمان وصحبتهم للمنافقين بحسب ظاهر الحال .

{ لا تنفقوا على من عند رسول الله } الظاهر أنه حكاية ما قالوه بعينه ، لأنهم منافقون مقرون برسالته ظاهرا ؛ ولا حاجة إلى أنهم قالوه تهكما أو لغلبته عليه حتى صار كالعلم كما قيل ، ويحتمل أنهم عبروا بغير هذه العبارة فغيرها الله إجلالا لنبيه صلى الله عليه وسلم .

{ حتى ينفضوا } أي لأجل أن يتفرقوا عنه بأن يذهب كل واحد منهم إلى أهله وشغله الذي كان له قبل ذلك ، يعنون بذلك فقراء المهاجرين ، قرأ الجمهور ينفضوا من الانفضاض وهو التفرق ، وقرئ ينفضوا من انفض القوم إذا فنيت أزوادهم ، يقال : نفض الرجل وعاءه من الزاد فانفض ، قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في عسيف لعمر بن الخطاب ، وقرأ زيد بن أرقم وابن مسعود : حتى ينفضوا من حوله ، ثم أخبر سبحانه بسعة ملكه فقال :

{ ولله خزائن السموات والأرض } أي أنه هو الرزاق لهؤلاء المهاجرين وغيرهم ، لأن خزائن الرزق له ، فيعطي من شاء ما شاء ، ويمنع من شاء ما شاء ، لا بأيديهم ، وهذا رد وإبطال لما زعموا من أن عدم إنفاقهم يؤدي إلى انفضاض الفقراء من حوله ، والجملة حالية ، أي قالوا ما ذكر ، والحال أن الرزق بيده تعالى ، لا يقدر أحد على منع شيء من ذلك ، لا مما في يده ، ولا مما في يد غيره { ولكن المنافقين لا يفقهون } ذلك ، ولا يعلمون أن خزائن الأرزاق بيد الله عز وجل ، وأنه الباسط القابض ، المعطي المانع .