تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ} (7)

ثم قال :{ هم الذين يقولون } يعني عبد الله بن أبي { لا تنفقوا على من عند رسول الله } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع غانما من غزاة بني لحيان ، وهم حي من هذيل ، هاجت ريح شديدة ليلا ، وضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبحوا ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ما هذه الريح ؟ قال :" موت رجل من رءوس المنافقين توفى بالمدينة" ، قالوا : من هو ؟ قال :" رفاعة بن التابوه" ، فقال رجال منافق : كيف يزعم محمد أنه يعلم الغيب ، ولا يعلم مكان ناقته أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته ؟ فقال له رجل : اسكت ، فوالله لو أن محمدا يعلم بهذا الزعم لأنزل عليه فينا ، ثم قام المنافق ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده يحدث أصحابه أن رجلا من المنافقين شمت بي ، بأن ضالت ناقتي ، قال : كيف يزعم محمد أنه يعلم الغيب ، أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته ؟ " لعمري ، لقد كذب ، ما أزعم أني أعلم الغيب ، ولا أعلمه ، ولكن الله تعالى أخبرني بقوله ، وبمكان ناقتي ، وهي في الشعب ، وقد تعلق زمامها بشجرة" .

فخرجوا من عنده يسعون قبل الشعب ، فإذا هي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءوا بها ، والمنافق ينظر ، فصدق مكانه ، ثم رجع إلى أصحابه ، فقال : أذكركم الله ، هل قام أحد منكم من مجلسه ؟ أو ذكر حديثي هذا إلى أحد ؟ قالوا : لا ، قال أشهد أن محمدا رسول الله ، والله لكأني لم أسلم إلا يومي هذا ، قالوا : وما ذاك ؟ قال : وجدت النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس بحديثي الذي كرت لكم ، وأنا أشهد أن الله أطلعه ، وأنه لصادق ، فسار حتى دنا من المدينة فتحاور رجلان أحدهم عامري ، والآخر جهني ، فأعان عبد الله بن أبي المنافق الجهني ، وأعان جعال بن عبد الله بن سعيد العامري ، وكان جعال فقيرا ، فقال عبد الله لجعال : وإنك لهناك ، فقال : وما يمنعني أن أفعل ذلك فاشتد لسان جعال على عبد الله ، فقال عبد الله : مثلي ومثلك كما قال الأول ممن كلبك يأكلك ، والذي يحلف به عبد الله لأذرنك ، ولهمك غير هذا .

قال جعال : ليس بيدك ، وإنما الرزق بيد الله تعالى ، فرجع عبد الله غضبان ؟ فقال لأصحابه : والله ولو كنتم تمنعون جعالا ، وأصحاب جعال الطعام الذي من أجله ركبوا رقابكم لأوشكوا أن يذروا محمدا صلى الله عليه وسلم ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم ، لا تنفقوا عليهم { حتى ينفضوا } يعني حتى يتفرقوا من حول محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : لو أن جعالا أتى محمدا صلى الله عليه وسلم فأخبره لصدقه ، وزعم أني ظالم ، ولعمري ، إني ظالم إذ جئنا بمحمد من مكة ، وقد طرده قومه فواسيناه بأنفسنا ، وجعلناه على رقابنا ، أما والله ، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، ولنجعلن علينا رجلا منا ، يعني نفسه ، يعني بالأعز نفسه وأصحابه ، ويعني بالأذل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال زيد بن أرقم الأنصاري ، وهو غلام شاب : أنت والله الذليل القصير المبغض في قومك ، ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن ، ومودة من المسلمين ، والله لا أحبك بعد هذا الكلام أبدا .

فقال عبد الله : إنما كنت ألعب معك ، فقام زيد فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فشق عليه قول عبد الله بن أبي ، وفشا في الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب على عبد الله لخبر زيد ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله ، فأتاه ومعه رجال من الأنصار يرفدونه ويكذبون عنه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني عنك" ، قال عبد الله : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك قط ، وإن زيدا لكاذب وما عملت عملا قط أرجى في نفسي أن يدخلني الله به الجنة من غزاتي هذه معك ، وصدقه الأنصار ، وقالوا : يا رسول الله ، شيخنا وسيدنا لا يصدق عليه قول غلام من غلمان الأنصار مشى بكذب ونميمة فعذره النبي صلى الله عليه وسلم ، وفشت الملامة لزيد في الأنصار ، وقالوا : كذب زيد ، وكذبه النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان زيد يساير النبي صلى الله عليه وسلم في المسير قبل ذلك ، فاستحى بعد ذلك أن يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى تصديق زيد ، وتكذيب عبد الله ، فقال :{ هم } يعني عبد الله { الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض } يعني مفاتيح الرزق والمطر والنبات { ولكن المنافقين لا يفقهون } آية الخير .