روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ} (7)

وقوله تعالى : { هُمُ الذين يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله حتى يَنفَضُّواْ } استئناف مبين لبعض ما يدل على فسقهم ، وجوز أن يكون جارياً مجرى التعليل لعدم مغفرته تعالى لهم وليس بشيء لأن ذاك معلل بما قبل ، والقائل رأس المنافقين ابن أبي وسائرهم راضون بذلك ، أخرج الترمذي وصححه . وجماعة عن زيد بن أرقم قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معنا ناس من الأعراب فكنا نبتدر الماء وكان الأعراب يسبقونا إليه فيسبق الأعرابي أصحابه فيملأ الحوض ويجعل حوضه حجارة ويجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه فإني رجل من الأنصار أعرابياً فأرخى ذمام ناقته لتشرب فأبى أن يدعه فانتزع حجراً ففاض فرفع الأعرابي خشبة فضرب رأس الأنصاري فشجه فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين فأخبره وكان من أصحابه فغضب ، وقال : { لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله حتى يَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِهِمْ } يعني الأعراب ، ثم قال لأصحابه : إذا رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعز منها الأذل ، قال زيد : وأنا ردف عمي فسمعت عبد الله فأخبرت عمي فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام فحلف وجحد وصدقه صلى الله عليه وسلم وكذبني فجاء عمي إلي فقال : ما أردت إلي أن مقتك وكذبك المسلمون فوقع على من الهم ما لم يقع على أحد قط فبينا أنا أسير وقد خفضت رأسي من الهم إذا أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي ثم إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لحقني فقال : ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : ما قال لي شيئاً إلا أنه عرك أذني وضحك في وجهي فقال : أبشر فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِذَا جَاءكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله } حتى بلغ { لَيُخْرِجَنَّ الاعز مِنْهَا الاذل } [ المنافقون : 1 8 ] وقد تقدم عن البخاري ما يدل على أنه قائل ذلك أيضاً .

وأخرج الإمام أحمد . ومسلم . والنسائي نحو ذلك ، والأخبار فيه أكثر من أن تحصى ؛ وتلك الغزاة التي أشار إليها زيد قال سفيان : يرون أنها غزاة بني المصطلق ، وفي «الكشاف » خبر طويل في القصة يفهم منه أنهم عنوا بمن عند رسول الله فقراء المهاجرين ، والظاهر أن التعبير برسول الله صلى الله عليه وسلم أي بهذا اللفظ وقع منهم ولا يأباه كفرهم لأنهم منافقون مقرون برسالته عليه الصلاة والسلام ظاهراً .

وجوز أن يكونوا قالوه تهكماً أو لغلبته عليه الصلاة والسلام حتى صار كالعلم لم يقصد منه إلا الذات ، ويحتمل أنهم عبروا بغير هذه العبارة فغيرها الله عز وجل إجلالاً لنبيه عليه الصلاة والسلام وإكراماً ، والانفضاض التفرق ، و { حتى } للتعليل أي لا تنفقوا عليهم كي يتفرقوا عنه عليه الصلاة والسلام ولا يصحبوه .

وقرأ الفضل بن عيسى الرقاشي ينفضوا من أنفض القوم فنى طعامهم فنفض الرجل وعاءه ، والفعل مما يتعدى بغير الهمزة وبالهمزة لا يتعدى ، قال في «الكشاف » : وحقيقته حان لهم أن ينفضوا مزاودهم ، وقوله تعالى : { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السماء والأرض } ردّ وإبطال لما زعموا من أن عدم إنفاقهم على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدي إلى انفضاضهم عنه عليه الصلاة والسلام ببيان أن خزائن الأرزاق بيد الله تعالى خاصة يعطي منها من يشاء ويمنع من يشاء { ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ } ذلك لجهلهم بالله تعالى وبشؤنه عز وجل ، ولذلك يقولون من مقالات الكفرة ما يقولون .