السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ} (7)

{ هم } أي خاصة بخالص بواطنهم { الذين يقولون } أي : أوجدوا هذا القول للأنصار ، ولا يزالون يجددونه لأنهم كانوا مربوطين بالأسباب محجوبين عن شهود التقدير { لا تنفقوا } أي : أيها المخلصون في النصرة { على من } أي : الذين { عند رسول الله } أي : الملك المحيط بكل شيء ، وهم فقراء المهاجرين { حتى ينفضوا } أي : يتفرّقوا فيذهب كل أحد منهم إلى أهله وشغله الذي كان له قبل ذلك .

قال البقاعي : وما درى الأجلاف أنهم لو فعلوا ذلك أتاح الله تعالى غيرهم للإنفاق ، أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا في الشيء اليسير فصار كثيراً ، أو كان بحيث لا ينفد ، أو أعطى كلاً يسيراً من طعام على كيفية لا ينفد معها كتمر أبي هريرة ، وشعير عائشة ، وعكة أمّ أيمن وغير ذلك كما روى غير مرّة ، ولكن { من يضلل الله فما له من هاد } [ الزمر : 23 ] ولذلك عبر في الردّ عليهم بقوله تعالى : { ولله } أي : قالوا ذلك واستمرّوا على تجديد قوله ، والحال أنّ الملك الذي لا أمر لغيره { خزائن السماوات } أي : كلها { والأرض } كذلك من الأشياء المعدومة الداخلة تحت مقدوره ، { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } [ يس : 82 ]

ومن الأشياء التي أوجدها فهو يعطي من يشاء منها ، حتى مما في أيديهم لا يقدر أحد على منع شيء من ذلك لا مما في يده ولا مما في يده غيره .

ونبه على سوء غباوتهم وأنهم تقيدوا بالوهم حتى سفلوا عن رتبة البهائم كما قال بعضهم : إن كان محمد صادقاً فنحن شرّ من البهائم بقوله تعالى : { ولكن المنافقين } أي : العريقين في وصف النفاق { لا يفقهون } أي : يتجدّد لهم فهم أصلاً كالبهائم بل هم أضل ، لأنّ البهائم إذا رأت شيئاً ينفعها يوماً في مكان طلبته مرة أخرى ، وهؤلاء رأوا غير مرّة ما أخرج الله تعالى من خوارق البركات على يد رسوله صلى الله عليه وسلم فلم ينفعهم ذلك ، ودل على عدم نفعهم بقوله تعالى : { يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون } .