تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

ثم ذكر تعالى كمال حلمه ، وشدة إمهاله وإنظاره أرباب الجرائم والذنوب ، فقال : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا } من الذنوب { مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ } أي : لاستوعبت العقوبة ، حتى الحيوانات غير المكلفة .

{ وَلَكِنْ } يمهلهم تعالى ولا يهملهم و { يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } فيجازيهم بحسب ما علمه منهم ، من خير وشر .

تم تفسير سورة فاطر ، والحمد للّه رب العالمين

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىَ ظَهْرِهَا مِن دَآبّةٍ وَلََكِن يُؤَخّرُهُمْ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } .

يقول تعالى ذكره : ولو يؤاخذ الله الناس . يقول : ولو يعاقب الله الناس ، ويكافئهم بما عملوا من الذنوب والمعاصي ، واجترحوا من الاَثام ، ما تَرَك على ظهرها من دابة تدبّ عليها وَلَكِنْ يُؤَخّرُهُمْ إلى أجَلٍ مُسَمّى يقول : ولكن يؤخر عقابهم ومؤاخذتهم بما كسبوا إلى أجل معلوم عنده ، محدود لا يقصرون دونه ، ولا يجاوزونه إذا بلغوه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهَ النّاسَ بِمَا كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابّةٍ إلاّ ما حمل نوح في السفينة .

وقوله : فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ فإنّ اللّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيرا يقول تعالى ذكره : فإذا جاء أجل عقابهم ، فإن الله كان بعباده بصيرا من الذي يستحقّ أن يعاقب منهم ، ومن الذي يستوجب الكرامة ، ومن الذي كان منهم في الدنيا له مطيعا ، ومن كان فيها به مشركا ، لا يخفى عليه أحد منهم ، ولا يعزب عنه علم شيء من أمرهم .

آخر تفسير سورة فاطر

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

{ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا } من المعاصي . { ما ترك على ظهرها } ظهر الأرض { من دابة } من نسمة تدب عليها بشؤم معاصيهم . وقيل المراد بالدابة الإنس وحده لقوله : { ولكن يؤخرهم إلى جل مسمى } هو يوم القيامة . { فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا } فيجازيهم على أعمالهم .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الملائكة دعته ثمانية أبواب الجنة : أن أدخل من أي باب شئت " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

تذكير لهم عن أن يغرهم تأخير المؤاخذة فيحسبوه عجزاً أو رضى من الله بما هم فيه فهم الذين قالوا : { اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمْطِرْ علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] فعلَّمهم أن لعذاب الله آجالاً اقتضتها حِكمتهُ ، فيها رَعْي مصالح أمم آخرين ، أو استبقاءُ أجيال آتين . فالمراد ب { الناس } مجموع الأمة ، وضمير « ما كسبوا » وضمير { يؤخرهم } عائد إلى { أجل } .

ونظير هذه الآية تقدم في سورة النحل إلى قوله : { فإذا جاء أجلهم } إلا أن هذه الآية جاء فيها { بما كسبوا } وهنالك جاء فيها { بظلمهم } [ النحل : 61 ] لأن ما كسبوا يعم الظلم وغيره . وأوثر في سورة النحل { بظلمهم } لأنها جاءت عقب تشنيع ظلم عظيم من ظلمهم وهو ظلم بناتهم المَوْءُودَات وإلا أن هنالك قال : { ما ترك عليها } [ النحل : 61 ] وهنا { ما ترك على ظهرها } وهو تفنن تبعه المعري في قوله :

وإن شئت فازعم أن مَن فوق ظهرها *** عبيدُك واستشهدْ إلهاك يَشْهَدِ

والضمير للأرض هنا وهناك في البيت لأنها معلومة من المقام . والظهر : حقيقته متن الدابة الذي يظهر منها ، وهو ما يعلو الصلب من الجسد وهو مقابل البطن فأطلق على ظهر الإِنسان أيضاً وإن كان غير ظاهر لأن الذي يظهر من الإِنسان صدره وبطنه . وظهر الأرض مستعار لبسطها الذي يستقر عليه مخلوقات الأرض تشبيهاً للأرض بالدابة المركوبة على طريقة المكنية . ثم شاع ذلك فصار من الحقيقة .

فأما قوله هنا : { فإن اللَّه كان بعباده بصيراً } ، وقد قال هنالك { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [ النحل : 61 ] ، فما هنا إيماء إلى الحكمة في تأخيرهم إلى أجل مسمى . والتقدير : فإذا جاء أجلهم آخذَهم بما كسبوا فإن الله كان بعباده بصيراً ، أي عليماً في حالي التأخير ومجيء الأجل ، ولهذا فقوله : { فإن اللَّه كان بعباده بصيراً } دليل جواب ( إذَا ) وليس هو جوابها ، ولذلك كان حقيقاً بقرنه بفاء التسبب ، وأما ما في سورة النحل فهو الجواب وهو تهديد بأنهم إذا جاء أجلهم وقع بهم العذاب دون إمهال .

وقوله : { فإن اللَّه كان بعباده بصيراً } هو أيضاً جواب عن سؤال مقدر أن يقال : ماذا جنت الدوابّ حتى يستأصلها الله بسبب ما كسب الناس ، وكيف يهلك كل من على الأرض وفيهم المؤمنون والصالحون ، فأفيد أن الله أعلم بعدله . فأما الدواب فإنها مخلوقة لأجل الإِنسان كما قال تعالى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً } [ البقرة : 29 ] ، فإهلاكها قد يكون إنذاراً للناس لعلهم يقلعون عن إجرامهم ، وأما حال المؤمنين في حين إهلاك الكفار فالله أعلم بهم فلعل الله أن يجعل لهم طريقاً إلى النجاة كما نجّى هوداً ومن معه ، ولعله إن أهلكهم أن يعوض لهم حسن الدار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم « ثم يحشرون على نياتهم » .