تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِيدٗا} (72)

ثم أخبر عن ضعفاء الإيمان المتكاسلين عن الجهاد فقال : { وَإِنَّ مِنْكُمْ } أي : أيها المؤمنون { لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ } أي : يتثاقل عن الجهاد في سبيل الله ضعفا وخورا وجبنا ، هذا الصحيح .

وقيل معناه : ليبطئن غيرَه أي : يزهده عن القتال ، وهؤلاء هم المنافقون ، ولكن الأول أَولى لوجهين :

أحدهما : قوله { مِنْكُمْ } والخطاب للمؤمنين .

والثاني : قوله في آخر الآية : { كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } فإن الكفار من المشركين والمنافقين قد قطع الله بينهم وبين المؤمنين المودة . وأيضا فإن هذا هو الواقع ، فإن المؤمنين على قسمين :

صادقون في إيمانهم أوجب لهم ذلك كمال التصديق والجهاد .

وضعفاء دخلوا في الإسلام فصار معهم إيمان ضعيف لا يقوى على الجهاد .

كما قال تعالى : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } إلى آخر الآيات . ثم ذكر غايات هؤلاء المتثاقلين ونهاية مقاصدهم ، وأن معظم قصدهم الدنيا وحطامها فقال : { فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ } أي : هزيمة وقتل ، وظفر الأعداء عليكم في بعض الأحوال لما لله في ذلك من الحكم . { قَالَ } ذلك المتخلف { قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا } رأى من ضعف عقله وإيمانه أن التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك المصيبة نعمة . ولم يدر أن النعمة الحقيقية هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة ، التي بها يقوى الإيمان ، ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران ، ويحصل له فيها عظيم الثواب ورضا الكريم الوهاب .

وأما القعود فإنه وإن استراح قليلاً ، فإنه يعقبه تعب طويل وآلام عظيمة ، ويفوته ما يحصل للمجاهدين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِيدٗا} (72)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِنّ مِنْكُمْ لَمَن لّيُبَطّئَنّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مّعَهُمْ شَهِيداً } . .

وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين ، نعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم ، فقال : { وإنّ مِنْكُمْ } أيها المؤمنون ، يعني : من عدادكم وقومكم ومن يتشبه بكم ويظهر أنه من أهل دعوتكم وملتكم ، وهو منافق يبطىء من أطاعه منكم عن جهاد عدوّكم وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم . { فإنْ أصَابَتْكُمْ مُصِيَبةٌ } يقول : فإن أصابتكم هزيمة ، أو نالكم قتل أو جراح من عدوّكم ، قال : قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا ، فيصيبني جراح أو ألم أو قتل ، وسرّه تخلفه عنكم شماتة بكم ، لأنه من أهل الشكّ في وعد الله الذي وعد المؤمنين على ما نالهم في سبيله من الأجر والثواب وفي وعيده ، فهو غير راج ثوابا ولا خائف عقابا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَإنّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطّئَنّ فَإنْ أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ } . . . إلى قوله : { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرا عَظِيما } ما بين ذلك في المنافقين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَإنّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطّئَنّ } عن الجهاد والغزو في سبيل الله . { فَإنْ أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قال قَدْ أنْعَمَ اللّهُ عليّ إذْ لَمْ أكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدا } قال : هذا قول مكذّبٍ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، قال : قال ابن جريج : المنافق يبطىء المسلمين عن الجهاد في سبيل الله ، قال الله : { فَإنْ أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ } قال : بقتل العدوّ من المسلمين ، { قَالَ قَدْ أنْعَمَ اللّهُ عَليّ إذْ لَمْ أكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدا } قال : هذا قول الشامت .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { فَإنْ أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ } قال : هزيمة .

ودخلت اللام في قوله { لَمَنْ } وفتحت لأنها اللام التي تدخل توكيدا للخبر مع «إن » ، كقول القائل : إن في الدار لمن يكرمك ، وأما اللام الثانية التي في : { لَيُبَطَّئَنّ } فدخلت لجواب القسم ، كأن معنى الكلام : وإن منكم أيها القوم لمن والله لبطئن .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِيدٗا} (72)

{ وإن منكم لمن ليبطئن } الخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين منهم والمنافقين والمبطئون منافقوهم تثاقلوا وتخلفوا عن الجهاد ، من بطأ بمعنى أبطأ وهو لازم أو ثبطوا غيرهم كما ثبط ابن أبي ناسا يوم أحد من بطأ منقولا من بطؤ كثقل من ثقل واللام الأولى للابتداء دخلت اسم إن للفصل بالخبر ، والثانية جواب قسم محذوف والقسم بجوابه صلة من والراجع إليه ما استكن في ليبطئن والتقدير : وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن . { فإن أصابتكم مصيبة } كقتل وهزيمة . { قال } أي المبطئ . { قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا } حاضرا فيصيبني ما أصابهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِيدٗا} (72)

وقوله تعالى : { وإن منكم } { إن } إيجاب ، والخطاب لجماعة المؤمنين ، والمراد ب «من » المنافقون وعبر عنهم ب { منكم } إذ هم في عداد المؤمنين ، ومنتحلون دعوتهم ، واللام الداخلة على «من » لام التأكيد ، ودخلت على اسم { إن } لما كان الخبر متقدماً في المجرور ، وذلك مهيع في كلامهم ، كقولك : إن في الدار لزيداً ، واللام الداخلة على { يبطئن } لام قسم عند الجمهور ، تقديره { وإن منكم لمن } والله { ليبطئن } وقيل : هي لام تأكيد ، و { يبطئن } معناه : يبطىء غيره أي يثبطه ويحمله على التخلف عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقرأ مجاهد «ليبطئن » بالتخفيف في الطاء ، و { مصيبة } يعني من قتل واستشهاد ، وإنما هي مصيبة بحسب اعتقاد المنافقين ونظرهم الفاسد ، أو على أن الموت كله مصيبة كما شاءه الله تعالى ، وإنما الشهادة في الحقيقة نعمة لحسن مآلها{[4147]} ، و { شهيداً } معناه مشاهداً فالمعنى : أن المنافق يسره غيبه إذا كانت شدة وذلك يدل على أن تخلفه إنما هو فزع من القتال ونكول عن الجهاد .


[4147]:- وقيل: المصيبة الهزيمة، سميت بذلك لما يلحق الإنسان فيها من العار بتولية الأدبار، ومن العرب من يختار الموت على الهزيمة كما قال أبو تمام: وقد كان فوت الموت سهلا فرده إليه الحفاظ المر والخلق الوعـر فأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشر