جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِيدٗا} (72)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِنّ مِنْكُمْ لَمَن لّيُبَطّئَنّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مّعَهُمْ شَهِيداً } . .

وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين ، نعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم ، فقال : { وإنّ مِنْكُمْ } أيها المؤمنون ، يعني : من عدادكم وقومكم ومن يتشبه بكم ويظهر أنه من أهل دعوتكم وملتكم ، وهو منافق يبطىء من أطاعه منكم عن جهاد عدوّكم وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم . { فإنْ أصَابَتْكُمْ مُصِيَبةٌ } يقول : فإن أصابتكم هزيمة ، أو نالكم قتل أو جراح من عدوّكم ، قال : قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا ، فيصيبني جراح أو ألم أو قتل ، وسرّه تخلفه عنكم شماتة بكم ، لأنه من أهل الشكّ في وعد الله الذي وعد المؤمنين على ما نالهم في سبيله من الأجر والثواب وفي وعيده ، فهو غير راج ثوابا ولا خائف عقابا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَإنّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطّئَنّ فَإنْ أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ } . . . إلى قوله : { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرا عَظِيما } ما بين ذلك في المنافقين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَإنّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطّئَنّ } عن الجهاد والغزو في سبيل الله . { فَإنْ أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قال قَدْ أنْعَمَ اللّهُ عليّ إذْ لَمْ أكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدا } قال : هذا قول مكذّبٍ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، قال : قال ابن جريج : المنافق يبطىء المسلمين عن الجهاد في سبيل الله ، قال الله : { فَإنْ أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ } قال : بقتل العدوّ من المسلمين ، { قَالَ قَدْ أنْعَمَ اللّهُ عَليّ إذْ لَمْ أكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدا } قال : هذا قول الشامت .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { فَإنْ أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ } قال : هزيمة .

ودخلت اللام في قوله { لَمَنْ } وفتحت لأنها اللام التي تدخل توكيدا للخبر مع «إن » ، كقول القائل : إن في الدار لمن يكرمك ، وأما اللام الثانية التي في : { لَيُبَطَّئَنّ } فدخلت لجواب القسم ، كأن معنى الكلام : وإن منكم أيها القوم لمن والله لبطئن .